معتز بالله عبد الفتاح
كتبت فى ديسمبر 2012، وقبل التصويت على دستور 2012، مجموعة من الملاحظات، وسأكرر بعضها مع شىء من التعديل لمناسبة الواقع المعاش:
أولاً: الخطأ فى «لا» أفضل من الخطأ فى «نعم». بعبارة أخرى، لو غير متأكد من هذا الدستور وتستشعر أنك لا تعرف، تقول «نعم» أم «لا»، إذن قل: «لا». ولكن أكمل بقية الملاحظات.
ثانياً: لا ترجع لشخص واحد فى أى مادة مفصلية أنت تخشاها، حاول أن تستمع لأكثر من وجهة نظر، وأظن أن الكثير ممن شاركوا فى لجنة الدستور سيظهرون إعلامياً وشعبياً بكثافة أكبر خلال الفترة القادمة للرد على الاستفسارات.
ثالثاً: لا ينبغى أن ننسى أن هذا الدستور «صنع فى مصر»، وينطبق عليه كل ما ينطبق على ما صنع فى مصر، من كتبه مصريون لعلاج مشاكل مصر وسيعلق عليه نخبة مصر وسيستفتى عليه شعب مصر. وبالتالى، وبكل وضوح، هو ليس دستور فنلندا، ولا تنطبق عليه شروط ما صنع فى فنلندا، ومن كتبه ليسوا فنلنديين لعلاج مشاكل فنلندا، ولن يعلق عليه أحد من نخبة فنلندا، ولن يستفتى عليه شعب فنلندا. بالمناسبة، أكبر مشكلة تواجه الشعب الفنلندى الشقيق خلال هذه الفترة هى كيفية تحويل جهاز نوكيا إلى تليفزيون متصل بالأقمار الصناعية كى تشاهده مثل التليفزيون بالضبط. وخلال هذه الفترة الشعب المصرى الشقيق لا يزال يفكر فى حل لمشكلة أنبوبة البوتاجاز وحل مشكلة القمامة وكيفية استعادة مباريات الدورى. قلبى بيحزن على الأداء المزرى لشعب فنلندا الشقيق. ربنا يكون فى عونهم.
رابعاً: هناك من يرفعون شعار «إحنا مع الحكومة»، وبالتالى من اعتادوا على التصويت بـ«نعم» فى الاستفتاء الأول غالباً سيميلون لقول «نعم» فى الاستفتاء الثانى، وربما الثالث أيضاً.
خامساً: حسن تصميم الدستور والقبول الشعبى به شرط ضرورى، ولكنه ليس كافياً لإصلاح أحوال البلاد. كتابة الدستور مثل من يصمم سيارة على الورق. التصميم لا بد أن يكون جيداً لضمان عمل السيارة، ولكن لا ننسى أن هذا التصميم سينتقل من الورق إلى الواقع، ولا بد من أن تتم كسوة العظام لحماً، وأن هذه السيارة فى النهاية سيقودها سائق مصرى فى شوارع مصرية مليئة بالمطبات ويمكن أن يأتى «توك توك» ليخبطك فجأة فى أى اتجاه كان. وبالتالى تحويل الدستور إلى قوانين وقرارات سيأخذ وقتاً طويلاً، لا سيما أن مصر فيها عشرات الآلاف من التشريعات التى تعيش بيننا والتى تحكمنا وتعطلنا فى نفس الوقت.
سادساً: تأثير ثقة المواطنين فى مؤسسات الدول لا يزال هو الأهم فى تحديد فى أى اتجاه سيصوّت معظم الناس. أزعم أن معظم من شاركوا وقالوا «نعم» فى استفتاء دستور 2012 لم يفعلوا ذلك حباً فى الإخوان أو ثقة فى السلفيين، وإنما لأنهم وجدوا ممثلى المؤسسة العسكرية وممثلى القضاء وممثلى الشرطة وممثلى الأزهر يعلنون قبولهم بالدستور حتى وإن كانت لهم بعض التحفظات على بعض مواده. وبما أن هذه المؤسسات يحمل لها الكثير من المصريين الكثير من المصداقية، فكان قبولهم لها. وحينما يضاف لها الكنائس الثلاث فإن قطاعاً أوسع من المسيحيين المصريين سيجدون حافزاً أكبر للتصويت بالقبول له.
سابعاً: الاستفتاء على الدستور سيصبح ضمناً استفتاء على ترتيبات ما بعد «30 يونيو» وقرارات السلطة الانتقالية. ويزيد الأمر غموضاً هو عدم وضوح النتائج السياسية والقانونية للتصويت بـ«لا». المعروف يقيناً أن الأمر سيعود إلى رئيس الجمهورية مرة أخرى كى يصدر إعلاناً دستورياً جديداً، إما بعودة دستور 2012 أو العودة إلى دستور 1971 بتعديلاته.
ثامناً: معظم من أعرفهم ممن شاركوا فى لجنة الخمسين اختاروا أن يعطوا الدستور ما بين 8 إلى 9 على عشرة للدستور الجديد، بما يعنى أن هذا الدستور جيد إلى جيد جداً فى حدود ما أمكن إيراده وتيسّر إعداده، ولكنهم لو كان الأمر بأيديهم لغيروا بعضاً من مواده.
تاسعاً: ستظل المعضلة الأكبر ليس فى نصوص الدستور، ولكن لأن كل واحد مصرى أصبح الآن عنده دستوره فى دماغه، وفقاً لشعار «أنا رئيس جمهورية نفسى».
عاشراً: متوسط عمر الدساتير فى العالم 17 سنة، وبعض الدول مثل هايتى تكتب دستوراً كل 3 سنوات. أتمنى ألا نكون «هايتى» المنطقة العربية. وربنا يستر.
نقلاً عن "الوطن"