معتز بالله عبد الفتاح
فى نقاش مع بعض الأصدقاء، سألنى صديق: «إنت مصدق أن هناك من يتآمر على مصر للنيل منها؟»، قلت له: «لو كانوا يتبنون استراتيجية مكيافيللى بأن تضرب عدوك وهو فى أضعف حالاته، فهذا هو أفضل وقت للنفخ فى نيران العصبية والتعصب والعصاب والانقسام الداخلى. ولو سألت شخصاً فى وحدة دول الجوار بالموساد الإسرائيلى عما يتمناه لمصر، لقال لك: فتنة بين المسلمين والمسيحيين، وبين الإخوان والسلفيين، وبين السلفيين والصوفيين، وبين الجيش والشعب، وانقلاب عسكرى داخل الجيش ينتهى بميليشيات يقاتل بعضها بعضاً، وتنتهى مصر يا معلم. ولكنه سيقول أيضاً، ولكن قبل كل هذا علينا أن نتم بناء السور العازل بين مصر وإسرائيل حتى يظل خرابهم عليهم ويظل نضالهم تدميرهم، وصراعهم انتحارهم. يا صديقى تخلفنا عصامى، ولكن نضالنا الذى يدمرنا هناك من يؤججه ويستفيد منه».
جرنى الكلام مع أصدقائى إلى مصطلح اسمه فوكا (بتعطيش الفاء) (VUCA) هى ملخص أربع كلمات اخترعها الأجانب للتعبير عن موقف الأزمات الحادة، وأخذها الناس بتوع «إدارة الأزمات» علشان يحذرونا من التصرف بحماقة تحوّل الأزمة إلى كارثة محققة.
إذن تعالوا نفهم الفوكا، وبعدين نشوف ليه دى حاجة مهمة إن إحنا نعرفها.
عارف لما تشوف خناقة فى الشارع، يكون فيها أخ لك قاعد متعور على جنب وبيسيل منه دم، وفيه 10 أو 15 واحد بيضربوا بعض، فتأخذك الحمية، فتدخل تضرب فى أى واحد يقابلك انتقاماً لأخيك، وطبعاً فى النص، شوية شتايم من اللى إحنا متعودين عليها: شتيمة بالأب وبالأم وكل أنواع السباب، وبعدين وإنت عمال تضرب، يروح واحد خابطك بشومة على نفوخك فتفقد الوعى وربما تطير منك عين أو يحصل لك تشوه لا قدر الله، وتصحى تلاقى نفسك فى المستشفى والدنيا مقلوبة حولك.
بعد شوية كده، هتلاقى نفسك بتسأل: إيه اللى حصل؟ هو فيه إيه؟ هو أنا متعور كده ليه؟
يحكى لك أحدهم الحكاية.. إن الناس كانت بتتخانق مع بعضها لأسباب لا علاقة لها بأخيك، الذى هو حقيقة كان فقط راكب عربية سواقها ساذج عمل حادثة بسبب رعونته وأن جرحه بسيط جداً وسطحى وما كانش فيه أى حاجة إنك تتدخل وإن الجراح التى أصابتك ولا لها أى لازمة، ولو كنت سألت الأسئلة التى سألتها بعدما دخلت المستشفى قبل ما تضرب وتنضرب، كنت عرفت الحقيقة والموضوع كان مر بأقل قدر من الخسائر.
اللهم ابعد عنا «الفوكا».. إيه الفوكا بقى؟
هى مواقف صراعية تتصف بالسيولة فى الأحداث (volatility) بسبب السرعة الشديدة فى الفعل ورد الفعل بشكل غير عقلانى على نحو ما هناك فيضان مش عارفين نوقفه، ومع هذه السيولة يوجد عدم تيقن، (uncertainty) وبالتالى عدم القدرة على التنبؤ بأهداف وسلوك الآخرين فتفترض فيهم سوء الظن وبالتالى تخرج من داخلك أسوأ ما فيك، استجابة منك لما تعتقده أنه أسوأ ما فيهم، لكن يضاف إلى ذلك وجود درجة عالية من التعقد (complexity) بسبب تعدد الفاعلين وتناقض الرسائل الصادرة منهم، فنجد أنفسنا مش عارفين هم عايزين إيه بالضبط، لا سيما فى بيئة محكومة بمناخ الشك المتبادل (وقديماً قالوا: أنا أشك إذن، أنا دبوس، فتخيل مجتمعاً من الدبابيس والدبابيس المضادة عايشة مع بعضها)، وكل ما سبق يكون مغلفاً بالغموض (ambiguity) نتيجة نقص المعلومات، وإن وجدت تكون غير واضحة بالقدر الكافى بما يفتح الطريق نحو التفسير التآمرى.
وتكتمل الفوكا حين يتصرف كل شخص على أساس أن كل ما سبق غير موجود؛ ويبدأ فى تبنى مواقف حادة ويدافع عما يعتبره الحق والصواب والخير والعدل، ويظن أنه لو مات، فسيموت شهيداً، لأنه يناضل ضد الأشرار الذين يتبنون وجهة نظر متعارضة معه تحت نفس الظروف السابقة.
لذلك حذرنا القرآن الكريم أنه إن جاء فاسق بنبأ، فعلينا أن ننتبه حتى لا نصيب أقواماً بجهالة، فنصبح على ما فعلنا من النادمين، وحذرنا كذلك أن يكون بيننا سماعون لهم.
أستأذنكم أروح أزور الرجل اللى عينه طارت أونطة ده، وسآخذ له معى كيلو برتقال وشوية فوكا. وفى نفس الوقت، استمروا فى النضال، وما تنسوش تغنوا: «يا فرحة إسرائيل فينا!»
نقلاً عن "الوطن"