معتز بالله عبد الفتاح
تخيلوا لو أن واحدة من بناتنا، لأى سبب كان، كانت فى واحدة من المظاهرات وفعلت أو قالت ما استفز أحد الجنود، فانهال عليها ضربا وربما كشف أمام الكاميرات شيئا من جسدها سواء بقصد أو بدون قصد. وعادة ما تكون مثل هذه الأحداث فى بيئة فيها قنابل غاز وكاوتشوك محروق وما شابه. وتبين كذلك أن هذه البنت كانت ترفع شعار «رابعة» قبل أن يحتك بها هذا الجندى. دعونا نتذكر أن واقعة مماثلة قد حدثت لإحدى بناتنا فى الفترة الانتقالية الأولى منذ سنتين تقريبا. إذن التشابه بين الواقعتين حاضر فى الأذهان ومقصود.
ما الذى سيكون عليه رد فعل الجالسين فى الاستوديوهات والكاتبين للمقالات والمعلقين على الفيس بوكات والتويترات؟
أتصور أربعة أنماط محتملة.
النمط الأول: أولئك الذين سيدينونها مثلما أدانوا أختنا التى تعرضت فى حادثة متشابهة منذ عامين تقريبا. وهؤلاء سيكونون متسقين مع موقفهم السابق بأنهم لا يريدون المزيد من المظاهرات، وأن هؤلاء الذين يدعون التظاهر هم حقيقة يتظاهرون بالتظاهر. وسواء بالحق أو بالباطل ستوجه لهم تهم العمالة والخيانة أو على أقل تقدير الغفلة والمثالية الساذجة.
إذن عند هؤلاء: الفتاة ونظراؤها هم الجناة الأشرار، والشرطة والجيش يقومان بدورهما الوطنى.
النمط الثانى: أولئك الذين سيدينون الجندى مثلما أدانوا الجنود الذين فعلوا أمرا مشابها من قبل، وسيطالبون بالتحقيق وبسقوط حكم العسكر، وسيعتبرون أن البنت وكل البنات لها الحق فى التظاهر والاعتصام وغلق الطرق إلى أن يتم تحقيق أهداف الثورة، أيا ما كان تعريفهم لهذه الأهداف.
إذن عند هؤلاء: الفتاة ونظراؤها يقومون بدورهم الوطنى، والشرطة والجيش هما الجناة الأشرار.
النمط الثالث: أولئك الذين أيدوا بنتنا التى تعرضت للحادثة الأولى منذ عامين تقريبا ويدينون بنتنا التى تعرضت للحادثة الثانية، ويرون أن الأولى أهينت لغرض نبيل وهو إسقاط النظام فى ظل ثورة 25 يناير المجيدة، أما الثانية فينطبق عليها قول الشاعر الرومانسى: «إيه اللى وداها هناك؟» ذلك أن هذه الثانية من وجهة نظرهم تسعى لإسقاط الدولة بعد ثورة 30 يونيو المجيدة. وبما أنها تنتمى لجماعة الإخوان، فهى جزء من تنظيم إرهابى دولى يسعى لتدمير البلاد.
إذن عند هؤلاء: الفتاة الأولى ونظراؤها يقومون بدورهم الوطنى من أجل استكمال أهداف الثورة، والشرطة والجيش كانا هما الجناة الأشرار. أما الفتاة الثانية ونظراؤها هم الجناة الأشرار، والجيش والشرطة يقومان بدورهما الوطنى.
النمط الرابع: أولئك الذين أدانوا بنتنا التى تعرضت للحادثة الأولى من عامين تقريبا ويؤيدون بنتنا التى تعرضت للحادثة الثانية ويرون أن الأولى «تستاهل» لأنها أرادت تعطيل مسار ثورة 25 يناير المجيدة بإشاعة الفوضى وتعطيل الانتخابات. أما الثانية فهى من «الحرائر» اللائى يرفضن «الانقلاب العسكرى».
إذن عند هؤلاء: الفتاة الأولى ونظراؤها جناة أشرار، والجيش والشرطة آنذاك كانا يقومان بدورهما الوطنى. أما فى حالة الفتاة الثانية ونظرائها فهم يقومون بدورهم الوطنى ضد الجيش والشرطة اللذين يلعبان دور الجناة الأشرار.
وكتعليق عام على هذه الرباعية أقول: أنا مستغرب من استغراب بعضنا، ومفاجأ من المفاجأة التى يعيش فيها البعض نتيجة أن يقف أحدنا مؤيدا للفتاة الأولى دون الثانية أو العكس، أو يكون هناك من يعارض أو يؤيد حق الفتاتين فى التظاهر دون تمييز. المسألة مسألة شبكات مصالح وترتيب أولويات ووفرة معلومات. هناك من يكره الإخوان (بحكم المشاعر) ويراهم خطرا على المجتمع والدولة (بحكم الحسابات العقلية) أكثر كثيرا من دعمه لحق التظاهر والاعتصام. وهناك من يحب الإخوان (بحكم المشاعر) ويراهم يحملون الخير لمصر (بحكم الحسابات العقلية) أكثر كثيرا من دعمه للجيش أو الشرطة أو ربما حتى الدولة. بل أنا مفاجأ من المفاجأة التى يعيش فيها البعض نتيجة أن يغير ملايين الأفراد مواقفهم عبر الزمن. هناك من «ينضج» ويتطور ويعرف ما لم يكن يعرف، وأتصور أن هذا هو ما حدث مع الملايين ممن كانوا ينتمون لمدرسة «دمج الإخوان» فى الحياة السياسية، ولكنهم اكتشفوا أن هذا مستحيل ما لم يغير الإخوان من منهج تفكيرهم.
إذن، نحن جميعا نتعرض لمواقف مختلفة تكشفنا أمام بعضنا البعض، سواء سمّيناها انتهازية أو واقعية أو رومانسية، لكنها حقيقة تعيش فينا ونعيش فيها. المهم كفاية دم وتدمير.
نقلاً عن "الوطن"