معتز بالله عبد الفتاح
سقطت ثلاث أساطير فى عام 2013 وصعدت ثلاث حقائق خلال العام الذى نودعه.
الأسطورة الأولى التى سقطت هى التجارة بشعار «الإسلام هو الحل، والإخوان هم الإسلام». كنت أتشكك فى صحة هذه المقولة وفى التوظيف السياسى والانتخابى لها. كتبت وتجادلت مع بعض المنتمين لجماعة الإخوان فى معنى «الإسلام هو الحل» وكتبت فى مطلع 2010 مقالا بعنوان: «من الحل الإسلامى إلى حل إنسانى يقبله الإسلام»، وظل بعض الأصدقاء يجادلوننى فى أن هناك بالفعل «حلا إسلاميا» لمشاكل مصر وأن الطاقة الإيجابية التى تتولد مع الفكرة كفيلة بأن تحول المبادئ العظيمة التى احتواها الإسلام إلى طاقة نشاط وعمل. ولكن خلال سنة واحدة من حكم الإخوان لمصر تبين أن هذه الطاقة خلقت عند أصحابها «غطرسة» تجمع بين الثقة الشديدة بالنفس والمحدودية الشديدة فى الأفق جعلتهم لأول مرة يدخلون فى صراع مع المجتمع وليس مع النظام بسبب فشلهم وليس بسبب الظلم الواقع عليهم.
الأسطورة الثانية التى سقطت أن «مصر بلد كفاءات»؛ فقد ثبت بالدليل القاطع أن مصر دولة «تخينة» وليست دولة «قوية» مصر دولة مليئة بالشحم وليس بالعضلات. ولا يمكن أن يُفهم ذلك إلا فى ضوء التراجع الشديد فى نظامنا التعليمى الذى يعد جيلا من «الحنجوريين» الذين يجيدون إنتاج أخطاء الماضى وموروثات الأجداد. وحتى حين يبرز بعضهم ممن تعلو كفاءاتهم على كفاءات غيرهم، فإن قدرتنا على الاستفادة منهم ضعيفة، وعادة ما يكون مصيرهم السفر إلى الخارج. وحتى وهم فى الخارج لا نجيد الاستفادة منهم حيث هم.
الأسطورة الثالثة التى سقطت خلال هذا العام هى أسطورة «جاهزيتنا للديمقراطية»، ثبت بالدليل القاطع أن الطبقة السياسية المصرية تتحدث عن الديمقراطية وهى تمارس الديكتاتورية. هذه الطبقة السياسية كادت تفعل ما هو أخطر من «فشل الديمقراطية»، ولكن «إفشال الدولة» والزج بالمجتمع إلى أتون احتراب أهلى من أجل مصالحة أنانية ضيقة. ولكن كى تكون العبارة أكثر دقة، النخبة المصرية ليست جاهزة للديمقراطية، لكن هذا لا ينسحب بالضرورة على المواطنين الذين اجتهدوا قدر استطاعتهم ووضعوا ثقتهم فى نخبتهم التى لم تترك فرصة إلا لتضيعها. وهو ما لا يمكن أن نفهمه بعيدا عن الأعوام الثلاثين السابقة على ثورة 25 يناير التى قتلت أدوات ووسائل التجنيد السياسى والتنشئة الحزبية.
أما الحقائق التى صعدت وبرزت وتأكدت أكثر فى عام 2013 فهى ثلاث على الأقل، أولاها: الانكشاف الأمنى والمعلوماتى الذى تعيشه المنطقة وتعيشه مصر تحديدا؛ حيث دخلنا بوضوح فى عصر «حروب الجيل الرابع» وما يتضمنه من تسليط أجهزة المخابرات الأجنبية لأجهزة إعلامها ومصادر معلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعى بما يهز ثقة المواطنين فى أنفسهم وفى مؤسسات دولتهم وفى قياداتهم. من المفهوم تماما أن كل القيادات السياسية فى العالم تخطئ، لكن تحويل الخطأ إلى اتهامات بالخيانة والعمالة ليس من طبائع الأمور إلا إذا كان هناك من له مصلحة فى إشاعة هذه الصورة. هذا الانكشاف الأمنى والمعلوماتى يجعل صاحب القرار يتردد فى قراره، وصاحب الرؤية يسىء صياغتها بل وطرحها، ويجعل المجتمع فى صراع ذاتى مستمر لا نهاية له. وبدلا من مواجهة تحديات المجتمع الحقيقية، يدخل فى صراعات وهمية لا منتصر فيها وإنما الكل يتقاسم فيها الخسائر.
الحقيقة الثانية هى أن «الجيش آخر عمود فى البيت» كما كتبت فى أبريل 2011، لكن لا يمكن لأى بيت أن يعيش على عمود واحد، وإنما لا بد من استكمال بقية مؤسسات الدولة بسرعة. والوقت هنا ليس موردا غير محدود؛ لذا فلا بد من إقرار الدستور، مع تفهمى الكامل بأنه حتما سيخضع لاحقا لعملية تعديل حين تستقر الأوضاع، ولا بد من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بسرعة، والأفضل عندى الجمع بينهما خلال نفس الفترة وكأنها عملية تركيب دعامات سريعة للدولة المصرية كى تقوى على الحياة.
الحقيقة الثالثة: مركزية دور مصر فى محيطها وأن نجاة العرب تقتضى بالضرورة قوة مصر واستقرارها. وبالتالى من مصلحة العرب أن تكون مصر فى خانة القوة الشاملة العربية وليس فى خانة الضعف الشامل. وها هو جاء دورهم ليمدوا لها ولأنفسهم يد المساعدة.
نقلاً عن "الوطن"