معتز بالله عبد الفتاح
وصلتنى هذه الرسالة:
(هل تلاحظ ما أصاب الناس فى مصر من الكثير من الهم والغم بعد الأحلام والآمال التى أعقبت الثورة؟
أنا لم أعد قادرة على الحياة فى مصر. أنا فقدت الأمل فى مستقبل أفضل لى ولابنى؟ القتل والحرق والقبض والفضائح وتشويه الناس وفقدان الناس للصداقات التى بنوها فى سنوات طويلة تجعلنى أعتقد أنه لا يوجد أمل فى شىء.
لم أزل أعتقد أنك من أعقل الناس فى مصر، وأحترم آراءك حتى وإن لم أفهم أسبابك. وبالمناسبة، سأذهب لأقول «نعم» للتعديلات الدستورية ثقة منى فيك. أنا خريجة صيدلة وتركت الصيدلة منذ فترة ولا أفهم فى السياسة ولكن أثق فى من هم أمثالك ممن لم يزالوا يخاطبون العقل ولا يسعون لإثارة الذعر والخوف فى المجتمع).
هذا جزء من رسالة طويلة اختصرتها حتى أترك مساحة للرد.
أولا- أشكر صاحبة الرسالة على ثقتها فى شخصى المتواضع. ويا رب أكون عند بعض حسن ظنها.
ثانيا- يقول ابن رشد إن النفس الإنسانية لا يجتمع داخلها شعوران، فهى إما أن يسيطر عليها الخوف أو الاطمئنان، اليأس أو الرجاء، العمل أو الشكوى. لا تضيعى وقتك فى الهم والغم. اعملى أى حاجة مفيدة. ساعدى شخصا يحتاج إلى مساعدة، لا تستسلمى للشعور باليأس، اقتلى اليأس بالعمل.
ثالثا- من منا يستطيع إصلاح أحوال مصر كلها؟ لا أحد. لكن كل واحد فينا يستطيع أن يصنع «مصره» التى يمكن له أن يقيم فيها وعليها قيمه التى يرتضيها لنفسه. لا أستطيع أن أقول لك انعزلى عن بقية المجتمع، ولكن أصلحى مصر بدءا من أول ثلاثة أشخاص تعرفينهم يمكن لك وأنت معهم أن تجعلوا «مصركم» أفضل ثم انشروا التجربة عسى أن ينجح آخرون فى أن يخلقوا «مصرهم» التى يريدون. النفخ فى القربة المقطوعة مزعج ويبعث على اليأس، إذن ابحثى عن قربة أخرى أصغر وأكثر استجابةً لجهدك.
رابعا- «القتل والحرق والقبض والفضائح» هى من أعراض مجتمع فقد رشده مؤقتا، وأنا أؤكد على لفظة «مؤقتا» لأن الأمور قطعا ستتحسن. رغما عن كل مشاكل مصر والمصريين خلال هذه الفترة لكن مصر ستخرج من كل هذا «التدمير الذاتى» عندما يكتمل بناء المؤسسات وتبدأ حركة المجتمع فى الانشغال بالمستقبل ونسيان أو تناسى الماضى.
خامسا- مستقبل ابنك ليس بيدك، هو بيد من خلقه فسواه فعدله فى أى صورة شاء ركبه ولأى مستقبل شاء وجهه. كل ما نملكه أن نبذل الجهد الملائم كى يكون أولادنا قادرين على التمييز بين الصواب والخطأ بمعايير أخلاقية وعلى الصالح والطالح بمعايير عقلانية، وأن نكسبهم المهارات اللازمة كى يختاروا ما يفيدهم ويفيد مجتمعهم.
سادسا- «فقدان الناس للصداقات» مقدمة لصداقات جديدة. ومن لا يعرف قيمة الصداقة، فهو غالبا لم يكن صديقا وإنما كان أحد المعارف أو الزملاء أو الأصحاب ممن يبحثون عمن يوافقه على رأيه سواء كان على الحق أو الباطل. من يترك صداقتك لاختلاف فى وجهات النظر، فيقيناً أنت لست بحاجة إليه. تمنى له أو لها السعادة، وافتحى آفاق تفكيرك وقائمة صداقاتك لمن هم أنضج.
سابعا- لا أعتقد أننى «من أعقل الناس فى مصر» ولكن أعتقد جازما أننى أتفهم الكثير من أسباب الجذع وعوامل القلق التى تظهر أمامنا لتربكنا. الاضطراب السياسى (سواء بسبب الحروب أو الثورات) له نتائج نفسية وأخلاقية اعتاد المؤرخون ودارسو السياسة على بحثها. ويكفى أن أشير إلى أننا نعيش اليوم ما يشبه ما كتبه تشارلز تيلى عن العنف الجماعى فى مجتمعات أوروبا وأمريكا سواء الشمالية أو الجنوبية عند لحظات التحول الكبرى. التحول السياسى لا يعنى استبدال أشخاص بآخرين، أو قوانين بقوانين، أو أحزاب بأحزاب فقط، وإنما كذلك نسق قيم بنسق قيم. وهذا ما نراه الآن أمام أعيننا ونعيشه بأنفسنا. وبالنسبة لى، هذا ما كنت أقرأ عنه، والآن أعيش لأختبره ثم أكتب عنه.
ثامنا- لا أعتقد أن عليك أن تتبنى موقف أحد آخر من مسألة مهمة مثل الدستور، وإنما عليك أن تفكرى فى عواقب «نعم» وعواقب «لا». وسيأتى يوم لإصلاح ما أفسدناه. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
نقلاً عن "الوطن"