معتز بالله عبد الفتاح
فى مؤتمر بالعاصمة الأردنية نظمه المنتدى العالمى للوسطية يوم الأحد الماضى (الخامس من يناير 2014) قدم كل من الإمام الصادق المهدى، أحد القيادات الإسلامية فى السودان، والشيخ عبدالفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية، مراجعة نقدية مبدئية لنشاط الحركات الإسلامية فى أعقاب الثورات العربية.
وسأذكر لحضراتكم أهم ما وجدته فى كلامهما المتناثر فى مواقع مختلفة.
أولاً، قال السيد المهدى عبارة موجزة لكنها مهمة فى فهم ما الذى حدث مع الإخوان فى مصر: «إن الإخوة فى مصر استنسخوا التجربة السودانية القائمة على الاستمرار فى الحكم بالتمكين وهذا أدى إلى ردة فعل قوية، وكان الأجدر بهم أن يستفيدوا من التجربتين التونسية والتركية».
هذه من زاوية.
ومن زاوية أوسع قال نائب رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ عبدالفتاح مورو عدة ملاحظات، فبالإضافة لمشروع التمكين هناك ثانياً، أن «الشرعية الانتخابية أوصلت الإسلاميين إلى الحكم لكن البقاء فى الحكم لا يكون إلا من خلال النخبة من اقتصاديين ومثقفين وسياسيين الذين يدركون أن للحكم مفاصل لا بد من فهمها والقدرة على إدارتها بطريقة حكيمة». وبناء عليه، يقول «مورو»: كان على الإسلاميين أن يؤجلوا تسلم الحكم فى هذا الوقت والبقاء فى البرلمان لمراقبة الحكومة حيث إن مشروع الإسلاميين ليس مشروع حكم فقط بل هو مشروع حضارة وتربية وحرية. ويجب ألا ينحصر فى الجانب السياسى فقط المتمثل فى الحكم. وقال إن المعركة والتحدى ليسا معركة دبابة بل معركة تخطيط وفكر ونحن عاجزون عن إدارة هذه المعركة.
ثالثاً، ووفقاً لما كتبه الأستاذ بسام ناصر فى موقع «السبيل»، فإن الشيخ «مورو» كشف عن «أن الإسلاميين لا يملكون نظرية متكاملة فى السياسة والحكم، وأنهم أقدموا على ممارسة السلطة دون تهيئة الإطارات المناسبة لذلك، والضامنة إنجاح التجربة، كما أنهم لم يكونوا قادرين على التمييز الزمانى والمكانى بعد الربيع العربى».
رابعاً، وأكد «مورو» أن من يسعى إلى حكم أى بلد، يلزمه أن يكون قادراً على الإمساك بمفاصله الحيوية والسيادية، وهو ما أطلق عليه العلامة ابن خلدون «العصبية»، فالإسلاميون، بحسب الشيخ مورو، لم يحسنوا قراءة الواقع بواقعية، وأخذهم الزهو بالفوز فى الانتخابات البرلمانية، وهو ما أشعرهم بأنهم يحظون بشعبية عارمة وواسعة.
خامساً، والكلام للأستاذ بسام ناصر، بدا من نقد الشيخ مورو أن تصورات الإسلاميين بحاجة إلى مراجعة شاملة وعميقة، تبدأ من تغيير نظرتهم «الساذجة» إلى العملية الانتخابية، باعتبارها الأداة القادرة على إيصال أى اتجاه أو تيار للحكم والسلطة؛ لأن وراء الانتخابات قوى متنفذة قادرة على التدخل فى التجربة، وإذا تطلب الأمر تقوم بالانقلاب عليها وإفسادها. كما أكد ضرورة إعادة النظر فى دور الأغلبية الشعبية، وأنها على الحقيقة لا تقدم الضمانة الحقيقية لإنجاح التجربة، فى حالة مصادمة النخب (السياسية والفكرية والفنية) للمشروع الإسلامى وتطلعاته.
سادساً، تحدث الشيخ مورو عن العملية المرهقة التى سيتحمل الإسلاميون وزرها وثقلها، حينما يقومون بتسلم السلطة، بعد أن أشاعت أنظمة الحكم السابقة الفساد ورسخته فى كل مفاصل الحياة، وأوصلت اقتصاديات البلاد إلى حالة هشة منهارة، فماذا بوسع الإسلاميين أن يفعلوا لمعالجة هذه الملفات الضخمة والهائلة من الفساد والانهيار الاقتصادى مع عدم امتلاكهم أدوات السلطة الحقيقية، وتحكم غيرهم فى مفاصل الحياة؟
سابعاً، أكد الشيخ مورو أن «الحكم حالة عابرة، وأن تغيير سلوكيات الناس وأخلاقياتهم مناط بالعمل الدعوى والتربوى، ولا يحتاج إلى سلطة أو حكم.. إن مشروع الهداية دائم إلى قيام الساعة، وأن على الإسلاميين أن يشتغلوا بالدعوة والتربية؛ لأنهم بالتربية يتمكنون من توسيع دوائر الخير فى المجتمعات، وتقليص مساحات الشر والفساد».
انتهى كلام الرجل، وأختم بقولى: إن الشيخ مورو يتحدث عن التربية، ونفسى يرى كمّ الشتائم والسباب بالأم والأب والجد والدين التى ستلاحقه هو شخصياً لما صرح به، من شباب الدعوة الذين تربوا على أن من يخالفهم فهو عميل وخائن وربما كافر أيضاً.
الحقيقة أنصح الشيخ مورو أن يراجع فكرة وجود جماعات إسلامية من الأصل، لأنها فشلت فى السياسة وفى التربية أيضاً. والله أعلم.
نقلاً عن "الوطن"