معتز بالله عبد الفتاح
«أنا أكرههم، ولا تطلب منى ألا أكرههم. الكراهية تمنحنى الصمود وتسهل علىّ التضحية».. قالت المرأة.
«ولكن الكراهية ستجلب مزيدا من الكراهية، والكراهية تجلب الخراب والدمار والدماء والفقر والمرض. الانتقام سهل لأنه يشفى الغليل، ولكنه لا يبنى الإنسان. علينا أن نفعل الصعب وهو أن نتعلم كيف نتسامح مع عيوب الآخرين وأخطائهم، وألا نتسامح مع عيوب أنفسنا وأخطائنا. أوقفى الكراهية من أجل مستقبل أفضل لنا جميعا: من نحب ومن نكره».. قال الرجل.
المرأة: وينى مانديلا، زوجة نيلسون مانديلا السابقة.
الرجل: نيلسون مانديلا.
المكان: فى زيارة له للسجن بعد غياب تسع سنوات لم يرَها فيها.
لهذا لا يوجد إلا نيلسون مانديلا واحد.
ننتقل إلى غاندى الذى شهد بعينه مذابح السيخ ضد الهندوس ومذابح الهندوس ضد السيخ، ثم مذابح المسلمين والهندوس المتبادلة. وكان يطالب الجميع بقتل الكراهية قبل قتل الآخرين، يقول له أنصاره من الهندوس: «ولكن القاعدة تقول العين بالعين والقصاص حق مشروع لنا».. فكان يرد غاندى: «لو طبقنا قاعدة العين بالعين فى عالم ملىء بهذا الكم من المظالم، فلن يبقى إنسان واحد قادر على البصر».
ولهذا لا يوجد فى الكون إلا غاندى واحد. حاول واجتهد، ولكنه ما كان لينجح إلا بأن يتخلق أكثر أهل الهند بأخلاقه.
هل هذه مثالية مفرطة؟
طبعا هى كذلك من وجهة نظر من يحبون الكراهية، الذين لا يستطيعون أن يعيشوا دون أعداء أو يبيتوا ليلهم دون معارك حتى لو مفتعلة.
المظالم كثيرة، وهذه طبيعة المجتمعات التى عاشت لفترة طويلة تحت القهر. ولكن لهذا السبب أيضاً، تنتقل مجتمعات من الظلم إلى الفوضى وليس من الظلم إلى العدل فى رد المظالم. هناك مجتمعات عانت لعقود، ولم تزل تعانى حتى الآن، لأنها أخذت الدواء الخطأ ولم تستطع أن تخرج من بئر الكراهية. وبالمناسبة «الكراهية السياسية» مصطلح شائع فى أدبيات علم النفس السياسى، وقد يأتى يوم أستعرض فيه لحضراتكم كتابا مهما بعنوان: «علم النفس السياسى للكراهية». (The Psychopolitics of Hatred).
الذين يحبون الكراهية ينظرون إلى موقف محمد (عليه الصلاة والسلام) بعد أن انتصر على قريش فى فتح مكة موقف الاستغراب. بعد أن نكلوا به وبقومه وقتلوا الكثير من أصحابه فى معارك مختلفة، يتمكن منهم ويستطيع أن «يقتص وينتقم» ثم يأتى ليقول لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟
لمثل هذا لا يوجد فى الإنسانية إلا محمد رسول الله واحد. ولكن لن نكون حقا أتباعه المخلصين إلا إذا تخلقنا بأخلاقه. هناك آيات فى القرآن الكريم تحضنا على العدل: من قبيل قوله تعالى: «وجزاء سيئة سيئة مثلها» ولكن عظمة النفس الإنسانية ألا تتجاهل كذلك الآية الكريمة «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، ومن العدل «والجروح قصاص» ولكن كذلك من الإحسان «فمن تصدق به فهو كفارة له»، وقد أمرنا الله بكليهما: «العدل والإحسان».
كان الكلام السابق ملخصا لمحاضرة ألقيتها فى أحد التجمعات الثقافية بالأمس القريب. قلت لبعض ممن يساعدوننى اعتبروا هذه المحاضرة «تجربة اجتماعية» نقدم فيها «المثير» ونرى فيها «الاستجابة» ثم نتدارس الأمر. وقد كان. ورغما عن أننى لم أتحدث عن مصر إطلاقا، وكان هذا مقصودا، فقد وجدت ما يلى:
أولا: نيوتن غلط، أو بتعبير أدق «كلامه ما يمشيش عندنا».. . لكل فعل فى مصر يوجد «ألف رد فعل».
ثانيا: الاحتقان السياسى بلغ مداه مع انعدام الثلاثة «تى» (Truth, Trust, Tolerance) أى أننا لم نعد نصدق أحدا ولا نثق فى أحد أو نتسامح مع أحد، بما يعنى أننا وقعنا تماما فى فخ «الحرب الأهلية الثقافية».
ثالثا: الكل يأخذ الرسالة المحايدة من حيث المحتوى فى الاتجاه الذى يريده. ورغما عن أننى فى هذه المحاضرة لم أتحدث عن مصر فى أى لحظة من اللحظات لكن وجدت ردود فعل من قبيل:
المدنيون: كيف نعفو عنهم، ألم تروا ما فعلوه فى أبنائنا وجنودنا وضباطنا؟
الإخوان: لا مجال للعفو، لقد قتلونا فى رابعة ويقتلوننا كل يوم، سيسقط الانقلاب.
الثوار: هذا الكلام يصب فى صالح «الفلول والداخلية والعسكر».
المحافظون: كيف نعفو عن الثوار الخونة والعملاء والطابور الخامس.
رابعا: لنا الله.
نقلاً عن "الوطن"