معتز بالله عبد الفتاح
كتب الدكتور محمود خليل يوم الثلاثاء مقالاً فى «جريدة الوطن» أضحكنى وأحزننى فى نفس الوقت.
الإعلام يقوم بدور البروفيسور دارويش.. وقطاع من المشاهدين يقومون بدور «شنبو» الذى نجح البروفيسور دارويش فى إقناعه بأنه ورقة، ولنقرأ الحوار كما كتبه الدكتور محمود:
«البروفيسور دارويش: إنت ورقة.. شنبو: أنا ورقة.. دارويش: باقتناع أنا ورقة.. شنبو: أنا ورقة، أنا ورقة.. دارويش (إلى بنت أخيه): ما تحاوليش تكلميه دلوقتى يا درية مش حيرد عليكى.. درية: إنت أقنعت شنبو يقفز من فوق البرج خلاص؟.. دارويش: أيوة استعملت معاه قوة الإيحاء الألترافزيونية، وأقنعته بأنه ورقة.. (ثم إلى ورقة): ورقة لو رميت نفسك من البرج دلوقتى يجرى لك إيه؟.. شنبو: ولا حاجة أصل أنا ورقة»!
المشهد الكوميدى السابق، أحد مشاهد فيلم «شنبو فى المصيدة» الذى تشارك فيه المبدعون يوسف وهبى وفؤاد المهندس وشويكار، وهو يحكى تدخل البروفيسور «درويش» -يوسف وهبى- لإقناع «شنبو» -فؤاد المهندس- بأن يُلقى بنفسه من فوق البرج، لتقوم درية -شويكار- بتصويره وتحصل على سبق صحفى كانت قد وعدت رئيس التحرير به، بعد اتفاقها مع «شنبو»، الذى كان ينوى الانتحار على تصويره، وهو يقوم بذلك، وقد حدث أن رجع «شنبو» فى كلامه، فكان أن تدخل «البروفيسور» وأخضع «شنبو» لقوة الإيحاء الألترافزيونى، ونجح بذلك فى إقناعه بأنه «ورقة»!
والمتابع لأساليب أداء بعض الإعلاميين خلال الشهور الأخيرة يلاحظ أنهم لا يختلفون كثيراً عن البروفيسور «درويش» الذى كان يتحدى نظرية داروين التى تقول إن الإنسان أصله قرد، بنظرية جديدة تذهب إلى أن «الإنسان أصله حمار»، كما يحكى الفيلم! فهؤلاء الإعلاميون -خصوصاً التليفزيونيين منهم- يتعاملون مع المشاهد بمنطق «التنويم المغناطيسى»، فيحاولون تبليعه وجهة نظرهم بغض النظر عن اتفاقه أو اختلافه معها، لا يريدون منحه أى فرصة للتفكير.. الخلاصة أنهم يريدون أن يفعلوا به ما فعله «درويش» فى «شنبو»، ليعترف الأخير فى النهاية -وهو منوّم مغناطيسياً- بأنه ورقة!
يقولون له إن طوابير المصريين أمام لجان الاستفتاء على الدستور ليس لها أول ولا آخر، وقبل أن يعلق المواطن قائلاً: نعم كان هناك إقبال على.. .. .. ، يلحقونه فى الكلام قائلين: كان الزحام شديداً والطوابير أبعد من مرمى البصر.. يضيفون بعد ذلك أن الشباب نزلوا وملأوا لجان التصويت، وقبل أن يرد: نعم رأيت بعض.. .. .. ، يدركونه قائلين: دى اللجان كانت مبدورة بالشباب، يقولون له أنت تحب «السيسى».. وقبل أن يقول لهم نعم أحياناً أشعر أننى.. .. .. ، يلحقونه بالكلام: اعترف.. أنت تحبه وتموت فيه.. ولو «السيسى» قال لك انزل من أجل تأييد ترشحى للرئاسة، وقبل أن يرد ويقول: سوف أستجيب للدعوة و.. .. .. ، يبادرون بالقول: نعم ستجرى إلى الشارع وتبيت فيه ولا تعود إلى بيتك قبل أن يعلنها «السيسى» صريحة مريحة ويقول: سوف أترشح فى الانتخابات.. يدركونه بعد ذلك بالقول: مؤكد أنك ستعطيه صوتك.. وقبل أن يقول نعم احتمال كبير أن أعطيه.. .. .. ، يحدثونك سريعاً عن أن «السيسى» سوف يكتسح، وليس بعيداً أن يفوز بالتزكية. بالمختصر المفيد، الإعلام حالياً يعاملك على أنك «ورقة» يمكنك أن تقفز من فوق البرج دون أن يحدث لك شىء.. حيحصلك إيه ما أنت ورقة!
انتهى مقال الدكتور محمود خليل، وسأضيف لكلامه ما يلى:
أولاً: أعتقد أن ملايين المصريين فى الفترة الماضية قررت بالفعل أن تكون «هذه الورقة» التى يشير إليها الدكتور محمود، واستسلموا تماماً لقادة الرأى العام التليفزيونى لأن الظرف الموضوعى من أداء الدكتور مرسى ورفاقه جعلهم يرون أن «سكة مرسى كلها كوارث»، فكانوا كالورقة التى قبلت أن تدفعها الريح فى اتجاه معين، مستخدمين قوة الإيحاء «الألترافزيونية».
ثانياً: ملايين المصريين وجدوا أنفسهم فى مأزق «اللادولة» وحين أعطوا أصواتهم للدستور بـ«نعم» تحت الحجج الثلاث الشهيرة: «الاستقرار، ممكن نعدله بعدين، السيسى»، كانوا يفكرون بمنطق أننا نريد دولة حتى لو فيها عيوب أفضل من وضع «اللادولة» الذى كنا نسير فيه، والإعلام فعل نفس الشىء.
ثالثاً: الخطر كل الخطر فى أن يظل منطق «إعلام البروفيسور درويش»، و«المشاهد الورقة»، وقوة الإيحاء الألترافزيونية فى المستقبل، وهذا ما يحذر منه الدكتور محمود خليل، وأضم صوتى له.
نقلاً عن "الوطن"