معتز بالله عبد الفتاح
«مصر فى حالة حرب» هذه العبارة يستخدمها المحللون العسكريون حين يجدون أن تهديدا مباشرا وحقيقيا يطال مؤسسات أو مصالح حيوية للدولة. وتكون الدولة فى حالة حرب بمعنى من ثلاثة: حرب شاملة (مثل حرب جيش دولة ومجتمعها ضد دولة أخرى على نمط حرب 1973) أو حرب محدودة (مثل حرب سلطة مركزية ضد جماعات إرهابية أو جماعات خارجة عن القانون)، أو حرب أهلية (مثل انقسام جيش الدولة على نفسه على أسس عرقية أو أيديولوجية أو وفقا لتحالفات دولية مثل ما حدث مؤخرا فى جمهورية جنوب السودان).
مصر لم تعرف فى تاريخها الحديث هذا النمط الأخير، لكنها واجهت النمط الثانى القائم على فكرة الحرب المحدودة ضد قوى إرهابية.
ولكن هناك وضع ملتبس بشأن الفارق بين جماعات من قبيل «أنصار بيت المقدس» وجماعة مثل «الإخوان».
يتحدث البعض عن أن هناك أموالا خرجت من بعض قيادات الإخوان لتمويل هذه الجماعات كى يكونوا خنجرا فى ظهر الدولة المصرية، وهناك من يتحدث عن تحالف كامل المعالم بين الإخوان ومثل هذه الجماعات. ولكن ما لا شك فيه أن جماعة الإخوان توفر لمثل هذه الجماعات الغطاء السياسى الذى يجعلها تنشط على هذا النحو بتصوير العاملين فى أجهزة الدولة المصرية (سواء كانوا من الجيش أو من الشرطة) على أنهم من «الفئة الضالة» أو «الفئة الممتنعة عن تطبيق شرع الله» وبالتالى يجوز رفع حرمة الدماء عنهم وقتلهم وقتالهم.
ويسأل البعض: «ألا يفكر الإرهابيون ممن يدعون الإسلام أنهم ربما يقتلون أبرياء من خارج من يعتبرونهم الفئة الممتنعة والضالة هذه؟».
يعنى بعبارة أخرى، إذا كان، بزعمهم، هناك فئة ضالة، طيب ماذا عن أطفال أو شيوخ أو نساء يقتلون غيلة وبدون ذنب؟
هنا يعود التكفيريون إلى فتوى قديمة قالها ابن تيمية فى سياق مختلف تماما حين كان التتار يستخدمون حيلة ليهزموا بها جيوش المسلمين بأن يأخذوا بعض نساء وأطفال المسلمين دروعا بشرية، فلا تستطيع جيوش المسلمين البدء بمهاجمة جيوش التتار لأن البدء بالهجوم سيعنى بالضرورة قتل المسلمين للمسلمين، فما كان من التتار إلا أن كانوا دائما ما يتمتعون بمزية البدء بالهجوم.
فطن ابن تيمية لهذه الحيلة، واعتبر أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإذا كان لا بد من التضحية ببعض المسلمين من أجل الحفاظ على أرواح عدد أكبر من المسلمين ومنع تدمير الحضارة الإسلامية، فالضرورات تبيح المحظورات. وقال فتواه الشهيرة: «يموتون ميتة واحدة، ويصدرون مصادر شتى، ويبعثون يوم القيامة على نياتهم». الكارثة الأخلاقية والدينية تتمثل فى أن هؤلاء الإرهابيين ومن يوالونهم ويدعمونهم يرون أن قتلهم لضباط وجنود الجيش والشرطة فى مصر تتساوى مع قتل التتار وأمثالهم فانتهوا إلى ضلال مبين على المستوى الدينى والإخلاقى، وانتهى إلى تهديد حال ومباشر لأمن الدولة المصرية، فحق عليهم قول الحق سبحانه: «الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا». صدق الله العظيم.
«الدولة المصرية فى حرب» وأرجو أن تكون أولوياتنا واضحة. بعض الناس حزينة لأن لهم أناسا ماتوا أو استشهدوا ولم يتحقق القصاص العادل لهم بعد؛ فينزلون فى مظاهرات ويتجمعون فى اعتصامات وأحيانا تتحول هذه الفعاليات إلى ساحة للعنف والعنف المتبادل، فيزيد عدد القتلى والشهداء من المدنيين والعسكريين. وعلى هذا نجد أنفسنا أننا فى أول الشهر كنا نطالب بالقصاص العادل لمائة شخص، وفى آخر الشهر نطالب بالقصاص العادل لـ200 شخص، ثم فى الشهر التالى يرتفع العدد للمطالبة بالقصاص العادل لضعف عدد الشهر السابق، ولا يبدو أن أحدنا قادر على استيعاب أننا نحفر حفرة عميقة وتزداد عمقا كل يوم ولا نفكر كيف سنخرج منها.
لا أعرف ما الذى أقوله غير أننا لا نحقق الهدف الأصلى وهو القصاص ولا نقلل عدد من نريد أن نقتص لهم ولا يبدو واضحا لى كيف سيكون القصاص العادل مع هذه الفوضى التى نعيشها.
أحيانا تبدو القضية عادلة، ولكن الأساليب المستخدمة مع سوء التوقيت يجعل بعضنا عونا لأعداء الوطن على الوطن.
نقلاً عن "الوطن"