معتز بالله عبد الفتاح
أعترض تماماً على محاولة تشويه السياسيين الذين يريدون الترشح فى سباق الرئاسة المقبلة بالإضافة للمشير السيسى. وعندى عشرة أسباب.
أولاً، الوضع الاحتكارى فى أى مجال يؤدى إلى التراخى والفساد والإفساد وعدم المساءلة وغياب التجويد الناتج عن التبارى فى طرح الحلول. ولنأخذ مثالاً من كرة القدم. الفترة التى كان فيها الأهلى يفوز بمسابقة الدورى العام فى مصر قبل انتهائها رسمياً بعدة أسابيع لضعف المنافسة المحلية كانت الفترة نفسها التى يجد فيها الأهلى صعوبة فى الفوز ببطولة أفريقيا، لأن ضعف المنافسة الداخلية يكشف النادى حين يخرج إلى فضاء أرحب.
ثانياً، هناك حق أصيل دستورى وقانونى لكل مواطن أن يمارس السياسة بما يتفق مع تطلعاته فى حدود القانون سواء كمرشح أو ناخب. تخويف الناس وتشويههم والنيل منهم لأنهم يطالبون بحقهم هى ردة للخلف عما نتطلع له جميعاً.
ثالثاً، الانتخابات التى لا تتم وفقاً للمعايير الثمانية الدولية المتعارف عليها من حرية ونزاهة وتعددية وتنافسية ودورية عبر تصويت سرى ومباشر وبإشراف ومراقبة من جهات محايدة ووفقاً للقانون لن تُستوفَى إلا بمنافسة حقيقية. عدم المنافسة يضمن السلطة لكنه ينقص الشرعية. أرجو قراءة الجملة السابقة مرة أخرى.
رابعاً، مرشحو الرئاسة الذين لن يفوزوا فى انتخابات الرئاسة، هم بحكم تقاليد الديمقراطية التى لم نزل نلعب فى «زراريها» دون أن نتكلف عناء قراءة «كتالوجها» يفترض فيهم أن يكونوا زعماء المعارضة ومرشحين رئاسيين لاحقاً. جاك شيراك، رئيس فرنسا الأسبق، دخل الانتخابات الرئاسة الفرنسية ثلاث مرات وهُزم فيها إلى أن أصبح رئيس فرنسا فى النهاية.
خامساً، هذه فرصة مهمة لظهور جيل جديد من السياسيين حتى تكون لهم منصة إطلاق وانطلاق نحو الحضور فى المجال العام. ربما تكون هناك أسماء تستحق أن تبرز وتستحق أن تعطى الفرصة حتى يكونوا لاحقاً أعضاء فى مجلس النواب أو وزراء فى الحكومة أو مرشحين رئاسيين محتملين على المدى الطويل. أرجوكم لا تقتلوا «عبدالحليم حافظ» لأنكم تحبون «محمد عبدالوهاب».
سادساً، البرنامج الانتخابى للمرشح الفائز فى الانتخابات يتحول إلى السياسة العامة للدولة ولكن يكون عادة من المفيد للغاية أن يستفيد المرشح الفائز من انتقادات منافسيه له وأفكارهم الخلاقة التى يمكن أن تكون إضافة حقيقية لبرنامجه الأصلى.
سابعاً، من الذى قال إن التنافس يعنى الصراع أو معركة صفرية ممتدة يفوز فيها شخص ليقضى على الآخرين؟ هذه تقاليد تسلطية لا نريد لها أن تسافر معنا من الماضى إلى المستقبل. وما يدريك ربما يكون من بين المرشحين المحتملين أفضل من يُعيَّن فى وظائف مهمة؟
ثامناً، مصر، إن عاجلاً أو آجلاً، بحاجة لقيادات مدنية تتمتع بالكفاءة والانضباط تقودها فى مجالات العمل المختلفة، وهو ما يقتضى أن نتقبل فكرة ظهور أسماء جديدة على المسرح السياسى فى مصر كى لا تتكرر أخطاء وأمراض الماضى.
تاسعاً، أخشى من أننا لم نتعلم الدرس. ولم يزل بيننا من يعتمد «الولاء الشخصى المطلق» على حساب «الدعم الوظيفى المشروط». وهذه ثقافة مضرة تماماً بمستقبل التحول الديمقراطى فى مصر. لا مجال لمبايعة أحد لشخصه أو لهيئته أو لبلاغته أو لحسن مظهره، وإنما القضية مرتبطة برؤيته وسياساته والقضايا التى يعطيها الأولوية وقدرته على أن يفعل ما ذكره العقاد: «أن يبعث كوامن الحياة ودوافع العمل فى الأمة بأسرها، وفى رجالها (ونسائها) الصالحين لخدمتها».
عاشراً، الرئيس الجديد، أياً ما كان اسمه، إما أن يكون رئيساً انتقالياً جديداً، يكرر ما كان موجوداً من تقاليد شللية وزبائنية سياسية واعتماد مطلق على أهل الثقة والحظوة، وبالتالى يكون جملة اعتراضية فى تاريخ مصر، وإما أن يكون الرئيس المؤسس لقواعد جديدة يتحرك عليها قطار العمل العام فى مصر.
ختاماً، «الدريكسيون» غير متصل بعجلات السيارة ومن يتحدث من قمة هرم الدولة لا يصل بكلامه إلى قاع هرم الحكومة. وهذه معضلة غياب الكوادر الوسيطة القادرة على أن تصل قمة هرم السلطة بقاعها. وبناءً عليه: القضية ليست فقط فى الشخص، وليست فقط فى البرنامج، ولكن فى الكوادر وكتيبة العمل التى ترتضى بالمرشح رئيساً، وبالبرنامج خطة للعمل، ومستعدة للتنفيذ.
قولوا يا رب.
نقلاً عن "الوطن"