معتز بالله عبد الفتاح
«لماذا يحارب كل متدين لدينه بإيمان تام مؤمناً أنه يملك الحقيقة المطلقة؟
لماذا يحارب أحفاد ناصر أحفاد البنا بعقيدة راسخة؟
لماذا يشجع الأهلاوى الأهلى حتى لو لعب أمام برشلونة صاحب البطولات الأكثر والأكثر مهارة؟ ويشجع الزملكاوى الزمالك حتى لو لم يحصل على بطولة واحدة لعشر سنوات متتالية؟
لأن هناك جريمة يرتكبها البشر ككل، لكنها تُرتكب هنا فى مجتمعاتنا بشراسة مفرطة.
هذه الجريمة اسمها «أدلجة الأطفال» اسم «مجعلص» يعنى فرض دين / أفكار / قناعات / انتماءات سياسية على الأطفال من قبَل آبائهم.
فتجد هذا يُلبس أطفاله الأكفان فداء للرئيس الملتحى، أو هذا يلبس طفله البيادة فوق رأسه دعماً للرئيس العسكرى، أطفال لم يصلوا لأى درجة من الوعى ليدركوا حتى معنى ما يفعلونه.
فتجد أن الشخص يكبر ليدافع باستماتة عن هذه الأفكار التى تجرّعها، كانت ديناً أو فكرة أو انتماء سياسياً أو حتى كروياً، وهو لو كان وُلد لأب وأم آخرين وفى مكان آخر على الكوكب، لكان يدافع باستبسال عن عكس هذه الحقائق بالضبط، ومستعد حتى للقتل أو الموت من أجلها.
لماذا إذن يفعل الآباء هذا؟ لماذا يحولون عقول أطفالهم لـ«جزمة» على مقاس أفكارهم؟
لأنهم هم نفسهم ضحية لنفس الجريمة، فماذا تتوقع من شخص تجرّع أفكار غيره، لم يختر دينه، انتماءه الوطنى، أو حتى أفكاره، فبالتبعية يحيا حياة لم يخترها؟
لكن، هناك هذه الـ«لكن»، نحن فى مفترق تاريخى، ندخل عصراً سيتعلم فيه الأطفال من محركات البحث ومن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى أكثر بكثير من ما سيتعلمونه من آباء أو من مدارس أو من جامع أو كنيسة.
فستجد يوماً أشخاصاً منفتحين ومرنين ومتقبلين للآخر والتغيير حتى فى أكثر دول العالم تحجراً وتحفظاً.
أرى هذا المستقبل بكل وضوح، ومؤمن أنه ليس خداعاً بصرياً، وليس سراباً».
العبارات السابقة للصديق المخرج عمرو سلامة، وبهذه المناسبة أهنئه على فيلمه المتميز «لا مؤاخذة».
عمرو يضع يده على مشكلة كبيرة نرتكبها ونحن نظن أننا نحسن صنعاً. نحن مجتمع «متسلط» يعيش فيه أفراد «متسلطون» لتحميهم دولة «متسلطة».
والحقيقة أنه لا يوجد مجتمع بلا سلطة، بل إن بعض الفلاسفة، وعلى رأسهم الفيلسوف الألمانى هيجل، يرون أن سلطة الدولة هى أسمى أنواع السلطات، لأنها الضامن «لازدهار العقل وسمو الروح». ولكن هناك فارقاً بين أن تكون سلطوياً (authoritative) وأن تكون متسلطاً (authoritarian).
واجبى أن أمارس السلطة تجاه من أعول ومن أعرف من خلال العقل والبرهان والمحاججة وليس من خلال التخويف والتشويه وتفخيخ الأفكار والبدائل الأخرى التى لا أرضى عنها. أقدم ما أعتقده من آراء للآخرين فى تواضع من قد يكون مخطئاً ومستعداً للتراجع عن خطئه إن وجد فيه عواراً.
نحن بحاجة لأن نُدخل فى مقرراتنا الدراسية مهارات ذهنية هامة مثل التفكير النقدى والتفكير الابتكارى ومهارات المناظرة الفكرية والنقاش الحر. ومثل هذه المجالات لا تقل أهمية أو إثارة أو جذباً للجمهور عن البرامج العظيمة التى تبحث عن أفضل الأصوات وأحسن الرقصات. وربما تجد من يتبناها إعلامياً أيضاً حتى يخرج لنا جيل مختلف عنا. لا نريد أن نجعل أبناءنا يعيشون فى جلابيبنا، إلا إذا كنا سعداء بأنفسنا، وهذا ما يزيد الطين بلة. أقصد ألا نرى فى أنفسنا نقاط ضعفنا.
نحن بحاجة لأن نعرف قواعد إدارة النقاشات العامة ومعنى الإنصات وفصل المواقف الشخصية عن التقييم الموضوعى وكيفية إيجاد حلول وسطى عظمى تحول المواقف الصراعية إلى مساحات من المكاسب المشتركة.
هذه مهارات المستقبل التى لا نملكها، ونحن أحوج ما نكون إليها حتى لا نخسر معركة الغد.
أتمنى على الرئيس الجديد أن يكون لديه، وتحت إشرافه المباشر، فريق عمل يقوم بالتخطيط والتنسيق بين جهات صناعة الفكر والعقل فى مصر (إعلام، تعليم، أوقاف، ثقافة) من أجل عقول مصرية مختلفة. أنا سعيد بأن أولادنا يحفظون لأغراض الامتحان عشرات المعادلات الكيميائية وأسماء وأطوال أنهار أمريكا اللاتينية. ولكننى قلق أنهم، لأغراض العقلية السوية، لا يعرفون كيف يحترمون حق غيرهم فى أن يختلف معهم دون أن يتحولوا إلى أعداء.
الوظيفة التربوية للدولة لا تقل أهمية عما عداها.
نقلاً عن "الوطن"