معتز بالله عبد الفتاح
العنوان وما ستقرأونه لاحقا كتبته أختى العزيزة إسراء أحمد على صفحتها الفيسبوكاوية:
هناك حقيقة عن الشعب المصرى ليست موثقة ديموجرافياً ولا تاريخياً ولا علمياً لكنها ملحوظة اجتماعياً: نحن شعب لم ينل حظاً وافراً من التربية على الأقل لآخر جيلين. حقيقة مؤسفة لكن لا مفر من الاعتراف بها للأسف.
هى ليست نوعاً من الإساءة الجماعية فأنا لم أتخلَّ عن جنسيتى المصرية بعد، لذا فهو نوع من النقد الذاتى. لكن من يملك أبسط أنواع الملاحظة للسلوكيات المحيطة سيدرك أن هناك مشكلة كبيرة فى نوع التربية التى تلقاها المصريون خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ومن يملك مستوى أعلى قليلاً من الملاحظة سيلاحظ أن المشكلة فى تفاقم حالياً، لأسباب تتعلق باختلاف ظروف آخر جيل تحديداً.
نحن يا سادة لدينا مشكلة فى تعريف القيم والأخلاقيات التى نبثها فى أولادنا قبل أن نفقد سيطرتنا عليهم نهائياً. فلعقود، ظل تعريف الشخص «المؤدب» هو اللى «مش بيكلم بنات» أو «بيبص فى الأرض لما بيكلم واحدة»، وبطبيعة الحال تكبر قيمة هذا المفهوم مع «البنت». أما إن كان الصغير أسعد حظاً فمن الممكن أن يتم إضافة بند آخر، وهو «غض الصوت لدى والديه»، بمعنى أنه «مايزعقش فيهم».
اختزلت النظرة التقليدية للتربية لدى عامة الشعب المصرى كل الأخلاق فى خلق واحد وهو «العفة»، والأسوأ أنه ركز فيها على العفة الظاهرية فقط. وبناء عليه، يكذب الشخص، أو يفشى سراً، أو يحنث بوعد، أو يغتاب، أو يتواكل، أو يهمل، أو يكون أنانياً، ولكنه يظل «مؤدباً» لنظرة معينة لتعامله مع الجنس الآخر.
حصرنا تربيتنا لفترة طويلة فى «كل.. اشرب.. نام.. ذاكر.. ابعد عن التليفزيون عشان عنيك» دون زرع أى قيم تُذكر، ناهيك عما يرونه فعلياً فى سلوكنا نحن من عطب ويتشربونه منا، ثم يكبرون فنفقد سيطرتنا عليهم ليتولى الإنترنت وشبكات التواصل وأفلام السبكى تكملة المهمة.. ثم نتعجب لانتشار الانحطاط الأخلاقى وتردى مستويات التعامل والتفكير والنقاش بل وقيم الشهامة والنخوة والتعاون التى طالما تغنينا بها كشعب متدين بطبعه لديه حضارة سبعة آلاف سنة والحمد لله.
نحن نحتاج بشدة للتخلى عن تربية «تف على عمو يا حبيبى» لأنها أثبتت فشلها..
نحتاج بشدة لتذكر معانى كلمات مثل: الصدق، الإتقان، الرحمة، الالتزام، البر، احترام الآخر، التسامح، الطموح، الإيثار، إدارة الوقت، مراقبة اللسان... وغيرها، هذا هو المخرج الوحيد لو أردنا الخروج من القاع..
عزيزى المواطن المصرى.. «أرجوك ربى عيالك.. ولو مش ناوى تربيهم يبقى ماتجيبهمش أصلا.. إحنا مش ناقصين».
انتهى كلام «إسراء». ولكن أظن أن بعضنا حتى لو أراد أن يربى أولاده على قيم حميدة فلن يستطيع؛ لأن فاقد الشىء لا يعطيه. مرة الأخت المربية الفاضلة زينة بنتى جاءت من المدرسة فى مصر وهى منزعجة من سلوكيات بعض زميلاتها. وبعد شىء من النقاش وجدتها تقول: «They do not know better» يعنى: «هذا آخرهم. هم يتصرفون فى حدود ما يعرفون، وغالبا لم يقل لهم أحد الصح أو الخطأ».
لا أحب لابنتى وابنى أن يحكما على سلوك الآخرين بتعالٍ، لكن أحيانا يكونان على صواب فعلا. كلام بنتى صحيح. معظمنا لم يبذل الجهد الكافى ليعرّف أولاده بالصواب والخطأ بمعايير أخلاقية، وإنما معظمنا يعلم الأولاد الصواب والخطأ من وجهة نظرنا نحن التى هى غير سوية لأسباب مختلفة. أو معظمنا يتركهم للتليفزيون أو جماعات الأقران، وهمّ ونصيبهم.
إن ثقافة الإنسان المصرى ليست معطى مثل الموقع الجغرافى، لا نملك حيالها إلا التسليم بها والتعايش معها إنما هى واحدة من أدوات التقدم إن استطعنا أن نعيد تشكيلها وتوجيهها، أو واحدة من أسباب التخلف إن جعلنا منها عذرا للاهتمام ببناء المدارس دون الاهتمام ببناء الطالب، بتعبيد الطرق دون الاهتمام بتربية قائد السيارة على قيادتها، بمد مواسير المياه دون تربية المواطن على حسن استغلاله لها.
عزيزى الرئيس.. القادم لا بد أن يكون هناك مساعد لك لشئون الإعلام والتعليم والثقافة والخطاب الدينى كى يعيد تأهيل الآباء والأولاد معا.
نقلاً عن "الوطن"