معتز بالله عبدالفتاح
نظرية الاختيار العقلانى تقول إن كل فاعل سياسى يختار البديل الذى يحقق له أكبر قدر من المنفعة بأقل قدر من الخسائر أو التكلفة فى ضوء الظروف التى كانت سائدة أثناء صناعة القرار. والفاعل الأكثر عقلانية تكون لديه القدرة على التراجع الاستراتيجى حين يكتشف أنه اتخذ قرارات عائدها أقل من خسائرها. وهذا ما يطلق عليه عند الساسة «Exit Strategy» أى «استراتيجية الخروج» أو خطة لإلغاء القرارات السابقة «Undo Strategy».
وواحدة من أدوات فهم مدى «رشاد وعقلانية» الفاعلين السياسيين أن تسعى لمحاكاة الظروف التى اتخذت فيها القرارات بعد أن تكون القرارات قد اتُّخذت ونُفذت على أرض الواقع.
مثلاً، ماذا لو عدنا جميعاً إلى 24 يناير 2011 بعد أن عشنا وشاهدنا وشاركنا فى أحداث ثورة 25 يناير وما ترتب عليها؟ لو أعطانا الله القدرة على تغيير القرارات التى اتخذناها بدءاً من 24 يناير 2011 وحتى الآن، هل كنا سنتخذ نفس القرارات؟
مثلاً، المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين وبعد أن مرّ بهم كل ما حدث، هل لو أتيحت لهم فرصة العودة إلى 24 يناير 2011، كانوا سيفضلون الوضع آنذاك على الوضع الآن. بشىء من التأمل، عدد أعضاء الجماعة العاملين الذين يقاربون ربع مليون شخص، كانت لهم مساحة من حرية الحركة الاجتماعية والسياسية والحضور الاقتصادى، لم تعد متاحة لهم الآن.
كان الناس ينظرون إليهم باعتبارهم جماعة مظلومة «وبتاعة ربنا»، الآن تراجع عدد من يحسنون الظن بها كثيراً. كما أن وصول الدكتور مرسى للسلطة أغرى المنتسبين للصفوف الأول والثانى والثالث للظهور للعلن، بما جعل عملية القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمات بمثابة ضربة قاصمة للجماعة.
إذن من منظور جماعة الإخوان ومناصريها، لو عادوا لما قبل 25 يناير، لربما كان أفضل لهم ألا يتخذوا معظم ما اتخذوا من قرارات.
من منظور القوى الليبرالية واليسارية، فهم يجدون أنفسهم فى وضع أفضل كثيراً مما يجد الإخوان أنفسهم فيه، ليس لأنهم أحكم أو أفضل منهم، ولكن لأن وجودهم فى الشارع أضعف وتنظيماتهم أكثر هشاشة، فكان ضعفهم البنيوى فى مصلحتهم لأنهم لم يتعرضوا لمهمة الحكم مباشرة. ولكن بلا شك فإن متغيرين كبيرين يؤثر عليهما سلبياً: أولاً، البروز الشديد لمؤسسات الدولة (وعلى رأسها الجيش والقضاء) وكأنها المنقذة للبلد من الساسة الضعاف المنقسمين، وعلى رأسهم الليبراليون واليساريون. ثانياً، الأداء الضعيف نسبياً لمعظم وزراء جبهة الإنقاذ خلال حكومة الدكتور الببلاوى ثم رحيل معظمهم يرسل رسالة غير إيجابية عن كفاءة وقدرة هؤلاء.
وكأن الرسالة الضمنية عن «الإخوان» وعن الليبراليين واليساريين أنهم أضعف من الكفاءات التى كان الحزب الوطنى يصدرها للمشهد. هى رسالة مؤسفة، لكن الكثيرين الآن يتساءلون: هل دعمنا للثورة كان اختياراً عقلانياً أم أنه خطأ استراتيجى؟
سألت أحد أهم رموز شباب الثورة سؤالاً مباشراً: هل لو عاد بك الزمن لما قبل 25 يناير 2011، كنت ستدعو لهذه الثورة وتشارك فيها؟ كانت إجابته: نعم، كنت سأفعل، لكن كنت سأسعى لأن أتخذ قرارات مختلفة بعد ذلك. فكان سؤالى: ماذا لو لم يكن باستطاعتك أن تغير شيئاً، إما ما قبل 25 يناير أو ما عندنا الآن؟ هنا اختلط عليه الأمر ولم يعد قادراً على تمييز أين الصواب وأين الخطأ.
طبعاً هذا لا يخفى حقيقة أن الجزء الأكبر من المسئولية عما انتهت إليه الأوضاع بعد «25 يناير» يعود إلى سوء الإدارة والفساد الذى كان موجوداً قبل «25 يناير»، ولكن المعضلة أن الكل يخرج خاسراً الآن، لأن السلطة الحاكمة فى عهد «مبارك» لم تستطِع بشكل مبكر أن تخلق بيئة يكون فيها معظم الفاعلين السياسيين، والأهم معظم الشعب، فى خانة المكسب. والأسوأ أن من جاء بعد الحزب الوطنى فى إدارة الدولة لم يكونوا بنفس القدر من المهارة السياسية.
نفسى فى أن ندرك قريباً أننا فى مركب يغرق، وأن علينا أن نتحد تحت قيادة نعطيها فرصتها ونساعدها، حتى لو كنا نكرهها أو نختلف معها، حتى نعبر هذه المرحلة الصعبة التى نمر بها.
«قولوا يا رب».
نقلاً عن "الوطن"