معتز بالله عبدالفتاح
أما «باسم»، فهو الدكتور باسم يوسف، وأما «طلع» فهى كلمة تشير إلى أن شخصاً ما كان يحمل صفة لا نعرفها عنه ثم اكتشفناها، أما «حرامى»، فهو وصف يستخدم للإشارة إلى إنسان يأخذ ما لا يملك ولا يستحق، وينسبه لنفسه أو يستحوذ عليه دون موافقة المالك الأصلى، ولا يوصف الحيوان مثلاً بأنه حرامى، لأنها صفة تتصف بإطار أخلاقى ما، لا يوجد إلا عند المكلفين من الدواب، وهذه هى الأمانة التى حملها الإنسان. الأسد حين يلتهم إنساناً لا يوصف بالحلال والحرام أو الأمانة والخيانة. هو فقط جاع، أكل، نام. والإنسان الذى أكله مجرد طعام. هو غير مزود بذلك من قبل خالقه سبحانه وتعالى، وبالتالى غير مطالب، بخاصية التفكير الأخلاقى.
طيب: هل «باسم طلع حرامى؟»
هذا كان موضوع نقاش محتدم بالأمس بين أنصار باسم وأعدائه بعد أن نشر مقالاً يوم الثلاثاء فى «جريدة الشروق»، ثم أعقبه باعتذار قال فى آخره:
«يوم الثلاثاء هو أصعب أيام الأسبوع بالنسبة لفريق (البرنامج)، حيث يتم فيه إنهاء كتابة الحلقة وتحضير الضيوف.
مرة أخرى، أعتذر بشدة للخطأ الناتج عن ضغط العمل، وشكراً للقراء الأعزاء».
إذن، وبفرض أننا مجتمع سوى، سنفرق بين عدة حقائق:
أولاً، «الإبداع لا يعنى الاقتباس من مصادر غير معلومة، لأن هذا يدخل فى نطاق السرقات الفكرية والعلمية». هذه من العبارات التى توضع فى القوانين المنظمة لحقوق الملكية الفكرية. ولا يوجد مبرر أخلاقى أو علمى يسمح لشخص بأن ينسب لنفسه أفكاراً قال بها آخرون دون الإشارة إليهم.
ثانياً، «لا بد أن يظل الصواب صواباً، حتى إن لم نفعله، ولا بد أن يظل الخطأ خطأ، حتى إن فعلناه». المقولة السابقة تستحق إعادة القراءة، وهى المقابل الموضوعى والفكرى والفلسفى، والأخلاقى، والإنسانى، والسياسى لعبارة: «حبيبك يبلع لك الظلط، وعدوك يتمنى لك الخطأ».
هل باسم أخطأ؟ باسم قال: «أعتذر بشدة للخطأ الناتج عن ضغط العمل». إذن هو أخطأ واعتذر.
ثالثاً، «القدوة، والقائد، والرمز تكون عليه مسئولية اجتماعية وأخلاقية مضاعفة، لأنه بحكم المكانة التى وصل إليها يشكل جزءاً من قيم الناس ومعاييرهم فى الحكم على الأفكار، والأشخاص، والأحداث، والأشياء»، وهذا هو المأزق الذى يجد فيه «باسم» نفسه، لأنه يقوم بتشكيل وعى جيل كامل ينظر إليه على أنه يحمل خصائص السوبرمان الجرىء الشجاع المتعلم، المرح، الناجح، والنزيه، وهذه الصفة الأخيرة مهمة لأن طبيعة برنامجه تجعله فى موضع محاكمة الآخرين والسخرية منهم لما يأتونه من أفعال غير أخلاقية، فكيف يحتكمون لمن يتشككون فى مصداقيته.
أنا لى مصلحة مباشرة فى ألا ينهار «باسم» كرمز، لأن الكثير من الشباب تقريباً فقدوا الثقة فينا جميعاً. وظل هو مع آخرين قليلين يحظون بقدر من الثقة التى يمكن أن تكون رافعة لعودة ثقة قطاع من الشباب فى أن هذه الأرض يمكن أن تكون عفية بما يكفى لإنتاج رموز جديدة، قادرة على أن تشير إلى النور فى آخر الجسر، ثم يأتى اليوم الذى نبنى فيه هذا الجسر معاً بعد أن ندرك أننا فى صراع على قيادة مركب تتجه ناحية الشلالات.
رابعاً، «الراحمون يرحمهم الرحمن». مقولة استخدمتها بالأمس لتوضيح أن علينا ألا نكون بهذه القسوة مع أنفسنا ومع الآخرين الذين ينتمون لنا حتى لو اختلفنا معهم، فكان الرد: «وهو كان رَحَم مين لما غلط علشان نرحمه». هنا عرفت أن بعضنا اختار طريق «الغل والغيظ وربما الغباء المتبادل». ومن الواضح أن ثقافتنا تتغذى على صناعة الضحية لنشفى الغل، ويذهب الغيظ ويظهر الغباء.
خامساً، لو كنت مكان «باسم»، لأدركت خطورة اللحظة، ولتصرفت كفارس عليه أن يقدم القدوة للشباب. أخلاق الفرسان فى القرون الوسطى كانت تقتضى ليس فقط الاعتذار ولكن أن يوقع الإنسان عقوبة يختارها لنفسه على نفسه، وكأنه يقول للناس: أخطأت واعتذرت وعوقبت. لا تخطئوا مثلى، وإن أخطأتم فلا بد من اعتذار علنى وعقوبة فعلية. يمكن ده يساعد شخصاً ما فى مكان ما على أن يدرك أنه لا بد أن يظل الصواب صواباً، حتى إن لم نفعله، ولا بد أن يظل الخطأ خطأ حتى لو فعلناه.
نقلاً عن "الوطن"