معتز بالله عبدالفتاح
هناك حديث مرفوع عن الرسول (عليه الصلاة والسلام) يقول فيه ما معناه: «من يضمن ما بين الفكين والفخذين، أضمن له الجنة».
وسأقولها بتصرف: «اضمنوا لى ما بين الفكين والفخذين، أضمن لكم النهضة».
والحديث هنا مباشر عن علاقات العجز والفائض فى حياتنا السياسية والاقتصادية. وكما قلت من قبل فإننا دولة عجز على أكثر من مستوى. إننا دولة عجز الموازنة فيها نحو 135 مليار جنيه، أى إن نحو ثلث ما تنفقه حكومتها سلف.
ودولة عجز ميزان المدفوعات فيها وصل خلال العام الماضى إلى 18.3 مليار دولار. وهو ما انعكس على رصيد احتياطى النقد الأجنبى الذى تراجع إلى النصف تقريباً خلال هذا العام عن مستواه بنهاية 2010 الذى بلغ 36 مليار دولار.
دولة تراجعت فيها الإيرادات السياحية وتحولت الاستثمارات الأجنبية فى محفظة الأوراق المالية فيها إلى صافى تدفق للخارج.
دولة لا تعانى من عجز بشأن قدرتها على الحياة الكريمة فى الحاضر فقط ولكن كذلك تعانى من عجز فى قدرتها على بناء المستقبل وهو ما يتمثل فى نقص عدد المدرسين على مستوى الجمهورية، حيث تحتاج إلى 88 ألف معلم فى التخصصات التربوية المختلفة. وكل هؤلاء بحاجة لرواتب لا تستطيعها ميزانية الدولة المجهدة أصلاً. كما أن هناك عجزاً على مستوى الأبنية المدرسية يصل إلى 350 ألف فصل أى نحو 15000 مدرسة كحد أدنى خلال السنوات القليلة المقبلة.
ودولة العجز موجودة كذلك فى الغذاء المستورد معظمه من الخارج. والعجز موجود فى عدد المستشفيات والأطباء والممرضات، ووسائل النقل وموارد الطاقة.
لكن الحقيقة مجتمعنا عنده فائض مهول فى أمور أخرى تستحق منا التأمل، أولها فائض الإنجاب بلا حساب.
ذكرت الصحف، أمس، أن اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قال إن المشكلة السكانية تعد أهم مشكلة تواجه مصر اليوم، وتحديداً فيما يتعلق بالزيادة السكانية غير المنضبطة، خاصة أنها لا تتفق من قريب أو بعيد مع معدلات التنمية، لافتاً إلى أن عدد السكان زاد فى مصر خلال العام الماضى فقط 2 مليون و621 ألفاً، بما يعادل 5780 مولوداً جديداً يومياً، و4 مواليد كل دقيقة.
وكما قال الدكتور ماجد عثمان من قبل إن بيانات السكان فى مصر تشير إلى أن عدد سكان مصر بلغ عام 1948 نحو 20 مليون نسمة، وأضافت مصر 20 مليوناً آخرين بحلول سنة 1975، ثم أضافت 20 مليوناً ثالثة لتصل فى عام 1994 إلى 60 مليون نسمة، وأضافت 20 مليوناً رابعة خلال 17 سنة لتصل عام 2011 إلى 80 مليون نسمة. أى إن المصريين احتاجوا إلى عشرات الآلاف من السنوات ليصلوا إلى الـ20 مليوناً الأولى، ثم تمكنوا من التضاعف عدة مرات فى سنوات قليلة، دون أن يتمكنوا من تحقيق زيادة مماثلة فى مساحة الأرض الزراعية أو حجم المياه المتاحة، ليحافظوا على تأمين ضروريات الحياة. كما لم يتمكنوا من تحقيق تنمية بشرية أو من تحقيق مستوى رفاهية حققته دول نامية أخرى.
ومع التواضع الشديد فى مدارسنا عدداً وعدة، فلنتخيل أن هذه الأعداد لن تكون بالضرورة فى جانب الفائض الفعلى بقدر ما هم إضافة إلى العجز الشديد فى ميزان القوة الشاملة للدولة والمجتمع.
هذا عما بين «الفخذين»، أما ما هو بين «الفكين»، فعندنا فائض مهول فى «الفتى» و«السب» و«التريقة» و«التخوين» و«الادعاء» وهى خماسية قاتلة أتمناها لألدّ أعدائنا، «ولكن حظنا وحش جاءت فينا». بلد عنده فائض فى «الهتيفة» ومسجلى المواقف، وأهل الضوضاء الباحثين عن الأضواء.
وفى ظل كل هذا يكون الجهد الأساسى هو إلقاء الطوب على بعضنا البعض، وسب بعضنا بعضاً.
المجتمع والدولة يعملان معاً من أجل مواجهة الإرهاب، وسننتصر. ولكن لماذا لا توجه الدولة والمجتمع طاقتهما أيضاً لمواجهة الإنجاب بلا حساب. هذا خطر لا يقل فى حجمه ولا أهميته عن خطر الإرهاب.
ولك الله يا مصر.
نقلاً عن "الوطن"