توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف يدمر المصريون رؤساءهم؟

  مصر اليوم -

كيف يدمر المصريون رؤساءهم

معتز بالله عبد الفتاح

أعتقد أن من أهم عناصر تشويه صورة الرئيس الأسبق مبارك كانت أكذوبة أنه قد سرق 70 مليار دولار وهرّبها فى الخارج. وقد أشاعت بعض المواقع والصحف الأجنبية هذا الخبر على غير الحقيقة فى هدف واضح منها لتدمير الصورة الذهنية عن الرجل واستثارة المصريين للتفكير بمنطق شخصى نفعى، فشرع البعض فى حساب نصيبه من هذه الأموال حين تعود، ولكن الأهم أنها لن تعود إلا إذا تم التخلص من صاحبها سياسياً. وكان من أهم عناصر تشويه صورة الرئيس السابق (مرسى) هو نشر صورة ذهنية من قبيل أنه «نحس» أينما حل بمكان شاع فيه الخراب حتى ولو جزئياً، وكان هذا فى أعقاب وصفه بالمرشح «الاستبن» ثم تم الضرب على وتيرة الرئيس «الخائن» الذى سيبيع أرض البلد. وبغض النظر عن مدى الحقيقة أو الخيال فى الأمر، فإن المهم أن قطاعاً واسعاً من المجتمع صدقها وتصرف على هذا الأساس. ثم تأتى موجة ثالثة من الهجوم على الاسم الأبرز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة ليواجه العملية نفسها: تشويه الصورة وتدمير السمعة عبر آليات جربناها من قبل. لو اعتبرنا أن هذه عملية ذهنية وسياسية وإعلامية ومخابراتية، فلماذا تنجح بهذه السهولة فى مجتمعنا؟ هذا جزء مما يسميه العاملون فى مجال الاستخبارات: «العمليات النفسية» أو (psychological operations). وتعريفها هو: «تحريض الجماعات المستهدفة (اللى هم إحنا) لاتخاذ سلوك معين يتعارض مع مصالحها باستغلال: أخطاء الحكام، وجهل الشعوب، والعملاء الانتهازيين». كل حكامنا ومن يحيطون بهم يقرأون من نفس الكتاب، وكأنهم أقسموا على الفشل، والعملاء الانتهازيون موجودون يريدون مصالح شخصية وزعامات خاصة حتى لو على حساب الوطن، وفينا «سمّاعون لهم» وهذا هو جهل الشعوب، فهو ليس فقط جهلاً بمعنى نقص المعرفة ولكن كذلك حالة من الخوف والطمع والتوتر التى تجعلنا نصدق بسرعة ونكرر الكلام كالببغاوات مثلما قال شكسبير: «عقول العامة فى آذانهم». أغلب المصريين يعيشون معضلة «المأزق المفتعل» (false dilemma) وهى تقوم على افتراض أن أى سؤال له إجابة واحدة صحيحة وإجابة واحدة خطأ، وبما أن الكثير من الأمور الفكرية والثقافية والدينية تتأبى على هذا الافتراض، فإن الإنسان صاحب هذا المأزق المفتعل يفترض أنه هو مركز الإجابة الصحيحة، وكل من هم عن يمينه مخطئون وكل من عن يساره مخطئون. إذا عدنا إلى ما كتبه جون ستيوارت ميل عن المنطق وطرائق الاستدلال لفهمنا بعضا من هذه المعضلة. فالعقل البشرى يستريح لتسكين الناس فى أقل عدد ممكن من الخانات المعروفة سلفاً ويقاوم بشكل فطرى محاولة ابتكار خانات جديدة، وهى وفقاً لتعبيره «عقلية الطفل» الذى ينظر للناس إما كأصدقاء يبتسم لهم أو أعداء يبكى حين يراهم، ويذهب جون ستيوارت ميل للاعتقاد بأن جميع مناهج المعرفة الإنسانية المنظمة (العلم والفلسفة تحديداً) كانت تهدف لأن تضيف للخانتين الأولى والثانية الخانات الثالثة والرابعة... إلخ، ومن هنا كان يرى أن هناك فروعاً من العلم لا بد أن يدرسها كل الطلاب فى كل التخصصات، وعلى رأسها «المنطق» لأنه يساعدنا على حسن الاستنتاج، بغض النظر عن نوعية المعلومات التى نمتلكها أو كما يقول الجرجانى: «المنطق هو العاصم من الخطأ فى التفكير». وكى نفكر معاً، فلا بد من التدرب على الاختلاف فى الرأى، ولنتخيل هرما له قاعدة وله رأس وبينهما أدوار من البدائل المتاحة لنا. فأولاً فى قاع الهرم هناك ما يمكن تسميته «سب الشخص» (name-calling) وهو أدنى مراتب الاختلاف ومع الأسف الأكثر شيوعاً. وفيه تنطق بعض الألسنة بما فى النفوس فتهوى بأصحابها. وهو أمهر مهارات المصريين لأنه فى النهاية يستهدف «اغتيال الشخصية». الطابق الأعلى مباشرة فى هرم الاختلاف هو «مهاجمة الشخص» (ad hominem) ليس بالسب ولكن بتوجيه انتقادات ليس لها علاقة بجوهر الفكرة المطروحة، فننشغل بالأشخاص والأشياء أكثر من مضمون ما يقدمونه من أفكار وتحليل للأحداث، فيُتّهم كاتب ما بأنه من «من محاسيب إيران» لأنه يوضح أن إيران نجحت فيما أخفقت فيه مصر سابقاً من تحقيق معدلات أداء اقتصادى وعسكرى وتكنولوجى، ومع ذلك من الممكن أن يكون انتقاد الكاتب مبرراً إذا كان مبنياً على أسباب (حتى لو اختلفنا معها)، كانتقاد من يدافع عن حزب أو جماعة بانتقائية شديدة للمعلومات أو بتزييفها، ولكن هنا لا نقول إن هذا الأسلوب هو «مهاجمة للشخص» إنما هو انتقاد لمصداقيته أو منهجه بأدلة مرتبطة بالقضية موضع النقاش. الطابق الثالث فى هرم الاختلاف هو «مناقشة التوجه العام» (responding to tone) وهو أقل النقاشات الجادة سوءاً، إذن نحن بدأنا نناقش نقاشاً علمياً ولكن فى أدنى مستوياته لأننا بدأنا نناقش الموضوع وليس كاتب الموضوع، وهنا يكون الانتقاد موجها للتوجه العام للموضوع دون تحديد أين مواضع الخلل فيها بشكل مباشر، فكأنك ترسم دائرة كبيرة على مقال وتقول هذا مقال: «متأسلم» أو «تجارة بالدين». هذا توجه عام يمكن أن يكون مرفوضاً عند شخص ما، لكن ما الفائدة التى عادت على القارئ أو المستمع ما لم يقدم الرافض أسباباً واضحة للرفض بحيث تكون قابلة للنقاش؟ الطابق الرابع فى هرم الاختلاف هو «المعارضة» (opposition) وهنا نكون بدأنا فى النقاش الجاد فعلاً، فيقدم الكاتب ما يفيد اعتراضه على ما يقرأ أو يسمع مع بعض الأدلة هنا أو هناك بما يثبت وجهة نظره، وقد تكون المعارضة للفكرة المركزية (central point) أو لقضية هامشية أو استشهاد يراه المعترض فى غير محله لكن مع الموافقة على الفكرة المركزية. الطابق الخامس فى هرم الاختلاف يتمثل فى تقديم طرح بديل (counterargument)، وبالتالى هو اعتراض واضح على المقولة المركزية ومعها أسباب الرفض ثم طرح فكرة مغايرة تماماً للفكرة الأصلية. والطابق السادس والأخير أن يكون كل ما نكتبه إما عليه دليل أو على الأقل يمكن إثباته (provable) أو يمكن دحضه (falsifiable) بالرجوع إلى مصادر معلومات وأفكار أو خبرات دول أو أشخاص آخرين حتى يمكن القياس عليها والاستفادة منها. هل تعلمون أن كل مجتمع بشرى احتاج قروناً كى ينتقل معظم أفراده من طابق لآخر؟ ولنأخذ مثالاً بالعقل الأوروبى حيث بذل فلاسفة اليونان جهداً هائلاً لإثبات فكرة الذات العاقلة فى مواجهة الأساطير الموروثة وحكم الكهنة، واحتاج العقل الغربى قروناً كى ينتقل من الذات الاستنباطية (سانت أوجستين) إلى الاستقرائية (بيكون)، ثم إلى الذات المفكرة والمتشككة (ديكارت)، والتى لها حقوق غير قابلة للمساومة والانتقاص (كانط). طيب نعمل إيه؟ ولا حاجة استمروا فى الشتيمة.. بالتوفيق إن شاء الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف يدمر المصريون رؤساءهم كيف يدمر المصريون رؤساءهم



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon