معتز بالله عبد الفتاح
مصر شهدت منذ 25 يناير 2011 الأسماء التالية على قمة الهرم السياسى للدولة: مبارك، طنطاوى، مرسى، عدلى منصور مع حفظ الألقاب. وعلى قمة الهرم التنفيذى: نظيف، شفيق، شرف، الجنزورى، قنديل، محلب مع حفظ الألقاب.
هؤلاء عشرة أسماء لا يمكن أن نصفهم جميعاً بأنهم ينتمون لنفس الخلفية الفكرية أو السياسية أو المهنية.
يقول علماء المنطق إن المتغير لا يفسر ثابتاً والثابت لا يفسر متغيراً. يعنى إيه؟
يعنى لو عندك 50 طالباً ابتدائياً يدرسون الحساب على نفس المدرس وكلهم دخلوا الامتحان وفشلوا فى حل المسائل الحسابية، فأنت لن تلجأ لتفسير فشلهم الدراسى بالعوامل التى يتفاوتون فيها مثل طول الشعر أو مستوى الدخل أو كونهم ذكوراً وإناثاً. هذه كلها متغيرات لا يمكن أن تفسر الثابت الوحيد فى الحدوتة وهو أنهم جميعاً فشلوا. ولكنك ستبحث عن شىء مشترك بينهم جميعاً يمكن أن يفسر فشلهم جميعاً وهو غالباً ما سيكون المدرس.
لذلك يقولون: العلة (السبب) تدور مع معلولها (النتيجة) وجوداً وعدماً.
لا يمكن أن أستخدم فرشاة عريضة وأبالغ فى التعميم لأقول إن الثابت هو «الشعب المصرى» الذى تعود إليه كل أسباب الفشل، لأن حتى هؤلاء فيهم المجتهد جداً وفيهم المتكاسل للغاية، فيهم من إن سافر للخارج نجح ولو عاد للوطن فشل، وفيهم من ينجح فى أى مكان، وفيهم من يفشل فى كل مكان.
فى تقديرى أن أزمتنا الحقيقية هى أزمة وعى وأزمة معرفة. نحن لا نعرف عن «التضحيات» التى قدمتها شعوب أخرى حتى تنجح وتحقق المعجزة الاقتصادية أو السياسية التى عاشتها. وبالمناسبة أزمة الوعى هذه ليست عند الشعب بقدر ما هى عند النخبة سواء السياسية أو الإعلامية. ومتى عرفنا ووعينا تغير سلوكنا للأفضل، لكن عندنا إعلام وتعليم وخطاب دينى يرتاح للردح ونشر الكراهية والبغضاء وتسجى المواقف ونادراً ما يسعى لرفع وعى المصريين بأسباب نجاح غيرهم.
طيب.. سأسأل سؤالاً عن معرفة المصريين، نخبة وشعباً، بكم التضحيات التى قدمها الهنود والكوريون والصينيون والبرازيليون من أجل أن تتقدم بلدانهم؟
حين قال أحد المرشحين الرئاسيين إنه ينبغى أن يضحى جيل أو جيلان من أجل مصر أو أن يسير الناس مسافات أطول بدلاً من ركوب المواصلات العامة أو كما يقول كثيرون أن نقلل من الإنجاب قليلاً حتى ننهض من كبوتنا أو أن نوقف الاعتصامات والاحتجاجات لفترة معينة لحين تعافى الدولة. كل هذه «التضحيات» لم تكن بعيدة عما فعله كثيرون فى مجتمعات أخرى كى تنهض ولكننا لا نعلم، أو لا نريد أن نعلم.
عرضت على طلابى فى الجامعة فيلمين وثائقيين عن تجربة التنمية فى كوريا الجنوبية وكيف أن المواطنين الكوريين كانوا يرسلون عوائد عملهم فى أوروبا وتحديداً ألمانيا إلى بلدهم ليست بصفتها مدخرات خاصة ولكنها مدخرات عامة «collateral savings» لن يحصلوا منها على فائدة أو على أصل المبلغ. هى لله والوطن والحياة الكريمة. وقد عرض الفيلم الوثائقى بالضبط كيف كان يسير الأطفال فى كوريا الجنوبية مسافات طويلة من أجل الذهاب إلى المدرسة والتى تحولت بمرور الوقت إلى التركيز على العمل الفنى فى قطاعات بذاتها وفقاً لخطة وضعتها لجنة التخطيط الاقتصادى «Economic Planning Board»
طبعاً لا بد أن تبدأ الحكومة بنفسها فى إعطاء القدوة والنموذج، ولكن كذلك لا بد أن نكون واعين أن الحكومة لن تنجح وحدها.
بعد مكالمة مع المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء تأكدت أن هذا الرجل القوى المتحمس حامل هَمّ البلد يقود أوتوبيساً مهترئاً. «الدريكسيون» فيه غير واصل بالعجل والموتور «مفوت» والركاب بيتخانقوا.
نفسى أعمل حلقة تليفزيونية مع المهندس إبراهيم محلب وأعرض على المصريين بعض الوثائقيات عن تجارب التنمية فى دول العالم، ونناقشها معاً أمام الناس، ونقول للمصريين: نحن لسنا أقل من هؤلاء، ونعم نستطيع بشىء من التنظيم والمصارحة وإنكار الذات. وهذه دعوة مفتوحة منى له، إن سمح وقته.
هو، ومصر، بحاجة لجمهور واعٍ وفاهم، وليس حالة الهيستيريا الجماعية التى يقودها الإعلام باقتدار لتدمير ما بقى من الوطن.
لو فشل هذا الرجل، لا قدر الله، سنخسره وسنندم كثيراً.
نقلاً عن "الوطن"