معتز بالله عبد الفتاح
لا يكاد يمر علينا يوم إلا ونقرأ أو نشاهد نقلة جديدة فى مظاهر تحلل المجتمع. ومعنى تحلل المجتمع أنه يتحول من جسد متماسك تحكمه قيم وثوابت معينة تتمثل فى التفرقة بين الحلال والحرام وبين الصح والغلط وبين الأصول والعيب إلى تجمعات من البشر لا تحكمها قيم وإنما مصالح شخصية أو فئوية.
فى فترات انهيار الحضارة أو تراجعها بشدة يحدث هذا التحلل. وهو ما أشار إليه مؤرخو الحضارة اليونانية وظهور السفسطائيين الذين جعلوا المصلحة الذاتية واللذة الشخصية هى معيار الحق والخير والجمال. أبدع زعيمهم بروتاجوراس فى الدفاع عن الكذب والكراهية والظلم لأنها المعايير نفسها التى تحكم الغابة، وما المجتمع البشرى إلا غابة يعيش فيها حيوانات يدعون على غير الحقيقة أنهم أكثر أخلاقية من الحيوانات.
كتب ابن خلدون كذلك عن الطور الخامس من أطوار نشوء وتطور الدول وهو ما سماه «طور الدعة والسكون»، حيث يفقد المجتمع الرابط المشترك بين أبنائه وتتراجع الأعصاب التى تربط مكوناته بعضها ببعض. كيف نعرف أن مجتمعاً ما يتحلل؟ فتش عن ثلاثة مظاهر كلها ترتبط بالحلقات الأضعف فى المجتمع:
أولاً، شيوع وبشاعة الجرائم وبالتالى تراجع حرمة الدماء والملكية الخاصة واحترام حقوق الآخرين.
ثانياً، انتهاكات حقوق المرأة سواء من خلال التحرش أو الاغتصاب أو زنا المحارم.
ثالثاً، العنصرية سواء الدينية (ضد الأقليات الدينية)، العرقية (ضد الفئات التى لها أصول قبلية أو أسرية أو لغوية مختلفة)، أو الفئات الأفقر فى المجتمع.
لو فكرنا فى ما سبق، فسنجد الكثير من هذا فى مجتمعنا.
ولا أود أن أبالغ لكن من لديهم خبرة أكثر بهذه الأمور يدّعون أن الجزء الذى يرصده الإعلام قليل مقارنة بالحقيقة المرة التى نعيشها.
رصد الظاهرة أسهل كثيراً من معرفة أسبابها، لكنّ جزءًا كبيراً من المعضلة هو أن مصر تشهد بالإضافة إلى «تحلل المجتمع» معضلة «تفكك الدولة».
وإذا كان جوهر المجتمع هو قيمه المشتركة، فإن جوهر الدولة هو القانون. وتتفكك الدولة حين تواجه ثلاث ظواهر:
أولاً، وجود فراغ تشريعى بما يعنى غياب القانون فى مجالات وقطاعات لا يمكن معها غياب القانون، بما يعنى ضعف الدولة.
ثانياً، وجود القانون لكن القائمين على السلطة لا يحترمونه بما يفضى إلى الفساد والترهل الإدارى.
ثالثاً، عدم احترام المواطنين للقانون إن وجد نتيجة عدم احترام القائمين على السلطة له.
وأعتقد أننا يمكن أن نرصد الكثير من هذا أيضاً.
السؤال: ما الحل؟
أولاً، لا بد ألا نتجاهل مشاكلنا وألا نعتبر أن غياب الحديث عنها سيفضى إلى علاجها. هذه النوعية من المشاكل تحتاج إلى مصارحة وتحليل لجذور المشكلة.
ثانياً، لسنا بدعاً من المجتمعات. هناك مجتمعات كثيرة مرت بأسوأ مما نحن فيه الآن. وقد ذكرت لحضراتكم فى مقالات سابقة ما قاله كثيرون عن مجتمعات بدت فى لحظة ما وكأنها قد ذهبت إلى الفقر والجهل والمرض بلا رجعة ولكنها نهضت بأكثر مما كان يتوقع لها. والأمثلة كثيرة سواء فى كوريا الجنوبية أو البرازيل أو شيلى.
ثالثاً، البلد بحاجة لقيادة وقضية وطنية تجمع أغلبنا عليها. الجوانب الفنية فى عملية النهضة والتحديث لم تعد صعبة ولا معجزة، المعضلة فى الظروف المساعدة لها أو المتعارضة معها. وهذا جزء من الدور الذى تلعبه القيادة بأن تخلق الإرادة العامة وتلزم بها الإدارة الحكومية.
القائد له خصائص معينة ذكرها العقاد فى «عبقرية عمر» ومنها خاصيتان:
أولاً، أن يبعث كوامن الحياة ودوافع العمل فى الأمة بأسرها وفى رجالها الصالحين لخدمتها.
ثانياً، أن يعرف بالوحى الصادق وبالبديهة الصائبة فى ما تكون عظمة العظيم ولأى الأعمال يصلح وبأى الأعمال يضطلع ومتى يحين أوانه وتجب ندبته ومتى ينبغى التريث فى أمره إلى حين.
نقلا عن المصري اليوم