عمار علي حسن
عرفت مصر منذ قيام ثورة يوليو 1952 وحتى الآن العديد من جهات التقاضى الاستثنائى، كان لوزراء العدل بصمة ظاهرة فى الكثير منها. وأول هذه الجهات هى محكمة الغدر، التى أنشئت عام 1952، وكان وزير العدل يعين اثنين من أعضائها، من بين مستشارى محكمة استئناف القاهرة، فى حين يعين القائد العام للقوات المسلحة أربعة ضباط عظام بها، ويرأسها مستشار من محكمة النقض. والثانية هى محكمة الثورة، التى أنشئت فى عام 1953، وكانت مشكّلة من ثلاثة أعضاء ينتمون إلى مجلس قيادة الثورة. أما الثالثة فهى المحاكم الخاصة بمنازعات الإصلاح الزراعى، وتشكلت فى عام 1953 أيضاً، برئاسة وكيل محكمة يختاره وزير العدل، وعضوية قاضٍ يختاره الوزير أيضاً، إلى جانب موظفين اثنين بوزارة الشئون الاجتماعية والداخلية وعضو بالإدارة القانونية فى اللجنة التنفيذية للإصلاح الزراعى، وقد صدر بتشكيل هذه المحكمة قرار من وزير العدل، ما يبين مدى بصمة الوزارة فى هذا النوع من المحاكم.
والرابعة هى «محكمة الشعب»، وصدر قرار بتشكيلها عام 1954، وكانت عضويتها تقتصر على ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة. والخامسة هى «محاكم الطوارئ»، التى لا تزال سارية المفعول حتى الوقت الراهن، وقد بدأت مرتبطة بالمحاكم العسكرية، ولذا كان للجيش اليد الطولى فيها، ولم يكن لوزارة العدل أى دور، باستثناء ما نص عليه المرسوم بقانون رقم 154 لسنة 1952، بجواز أن يقوم بمباشرة الدعوى أمام هذه المحاكم أحد أعضاء النيابة العامة. وانتهى الحال بهذا النوع من المحاكم الاستثنائية إلى الارتباط بمحاكم أمن الدولة الجزئية الموزعة على المحاكم الابتدائية، والعليا بمحكمة الاستئناف. ويعين رئيس الجمهورية أعضاء محاكم أمن الدولة، بعد أخذ رأى وزير العدل بالنسبة إلى القضاة والمستشارين، ووزير الدفاع بالنسبة إلى الضباط.
وفى شهر فبراير من عام 2003 تبلور مشروع قانون، بإيعاز من السلطة السياسية، لإلغاء محاكم أمن الدولة العليا رقم 105 لسنة 1980. وأحيل المشروع من قبَل وزير العدل الأسبق المستشار فاروق سيف النصر إلى مجلس القضاء الأعلى لإبداء الرأى فيه، حسبما ينص قانون السلطة القضائية. لكن هذا المشروع حمل شكل التعديل أكثر من الإلغاء، إذ إنه نص على نقل الاختصاصات الموجودة بدوائر أمن الدولة العليا إلى المحاكم الجنائية العادية بمختلف درجاتها. وكان ينظم المشروع دوائر نظر القضايا التى كانت تعرض أمام محاكم أمن الدولة العليا، وسلطات النيابة العامة فيها، ومباشرة الدعاوى والإجراءات الخاصة بها. وقد اعتبر بعض القانونيين وقتها، ممن كانوا يميلون إلى تبرير ما تتخذه السلطة السياسية من إجراءات تخص المحاكم والقضاء والتشريع، هذا التوجه «أمراً محموداً»، لأنه يعيد، جزئياً، الأمور إلى نصابها الصحيح، حين يحافظ على استقلال القضاء ويمنع تدخل أى أحد فى شئون العدالة، كما نص على ذلك قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، الذى بين تشكيل المحاكم واختصاصاتها، وفقاً لما تضمنه قانونا المرافعات والإجراءات الجنائية. ومع ذلك فإن القانون الجديد يمثل تراجعاً، من حيث الدرجة، فى هذا النوع من القضاء الاستثنائى، دون أن يشكل نقلة نوعية فارقة.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)