توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكرى «محمود درويش» (2-2)

  مصر اليوم -

ذكرى «محمود درويش» 22

عمار علي حسن

لم ينشغل الذين طلبوا من الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش أن يطلق القضية الفلسطينية إن أراد الحصول على نوبل بأن يفتحوا فرجة للحوار معه حول كتاب فرانسيس ستونز «الحرب الثقافية الباردة» أو كتاب «تزفيتيان تودورف» الأخير «الأدب فى خطر»، ولم يستفيضوا فى الكلام معه عن سر خلود المتنبى وجلال الدين الرومى وطاغور ولوركا وليرمانتوف وناظم حكمت، فقط أرادوا أن يخطفوه فى غفلة من الوطن والناس، بعد أن مارس بعضهم عليه قدراً من التجاهل لأنه ظل مخلصاً للوزن والصورة والمفارقات، وأغمضوا عيونهم عن المسارب التى حفرها «درويش» بين «التفعيلة» و«النثر»، وبين الخاص والعام، وبين اليومى العابر والمكنوز فى جعبة التاريخ، وتعمدوا أن يهيلوا التراب على حقيقة جلية كشمس الظهيرة تقول إن «درويش» كتب للعشق والموت والمطر والشجر والرضا والغضب والقلق والاطمئنان، والكثير من المشاعر والقيم الإنسانية العابرة للسدود والحدود والقيود، وإنه حين كتب عن البنادق والخنادق على أرض فلسطين وفى المنافى فإن كتابته لم تكن أبداً مجرد رصاصة طائشة، ولا حفنة تراب تذروها الرياح، بل كانت عملاً إنسانياً بديعاً وخالداً، يرى كثيرون فى مشارق الأرض ومغاربها أنفسهم بين حروف كلماته، ويتذوقونه فى ذاته، مستمتعين بجماله المبهر، حتى إن كانوا من غير المتعاطفين مع شوق قوم «درويش» إلى الحرية والكفاية والحياة الطبيعية للآدميين.

لو أن «درويش» أمعن النظر مليّاً فيما يدور عنه فى عقل ومخيلة أعدائه، والحق ما يشهد به الأعداء، ما اهتزت شعرة واحدة فى رأسه لمن أشعلوا فى رأسه الظنون عن شاعريته. فها هو سان سوميخ، أستاذ الأدب العربى بجامعة تل أبيب، يراه واحداً من أكبر شعراء العربية ويتساوى لديه فى المكانة مع الناقد والمفكر الكبير الراحل إدوارد سعيد، ويقول: «كانت بدايات درويش ضمن حركة الكلاسيكية الجديدة فى الشعر، لكن مع مرور الوقت تفجرت لغته الشعرية الثرية وخلط بين ما هو سياسى وما هو شخصى، فكتب عن الحب والعائلة وخيبة الأمل من دون أن ينسى الإطار العام الذى يحكم كل هذا». وها هو الأديب الإسرائيلى أ. ب. يهوشواع يقول عن «درويش» فى معرض مقال رثاء باهت: «كان شاعراً كبيراً، ومن يقرأ شعره حتى لو كان مترجماً عن لغته الأصلية يتأثر بصورة عميقة من ثراء بلاغته والحرية الشعرية التى أجازها لنفسه».

ولم يُقدَّر لـ«درويش» أن يقرأ ما كتبته عنه كبريات الصحف الأجنبية؛ فها هى «التليجراف» تصفه بـ«شاعر المقاومة» و«الإندبندنت» تعتبره «الأوديسا الفلسطينية» و«نيويورك تايمز» تقول إن «كلماته المؤلمة عن المنفى والشتات وأبياته العذبة عن الإنسانية جعلته رجل الأدب الفلسطينى، وواحداً من أكبر شعراء العرب المعاصرين». هذا يدل على أن العالم كله لم يرَ «درويش» إلا ملتصقاً بقضيته العادلة، التى لم يتهمها أحد بأنها نالت من شاعريته وحجزته عن الانطلاق إلى العالمية سوى حفنة مغرضة من النقاد العرب، حاولت أن تهبط بقيمة «درويش» لتعلى من قامة شعراء أقصر، وسعت بخبث ظاهر إلى تجريد الفلسطينيين من أحد أسلحتهم القوية فى معركة المصير، وهو شعر «درويش» ورفيقيه سميح القاسم وتوفيق زياد.

مات «درويش» قبل أن يفيض بين جوانحه غم أسود مما يجرى بين «فتح» و«حماس» فيكبر داخله القنوط وتصغر القضية ويتسع طريق مَن وسوسوا له بأن يشرع فى كتابة «نسيان الذاكرة» ويسقط من حساباته «ذاكرة للنسيان» وأن يهش عن باله أى ضنى وهو يرى الحصان وحيداً ويتيماً، والظل العالى ينحسر حتى يموت تحت أحذية الغزاة الثقيلة.

"الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى «محمود درويش» 22 ذكرى «محمود درويش» 22



GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon