فاروق جويدة
أبسط الأشياء فى مصر الآن هى تبادل الاتهامات بالخيانة..ما أسهل أن تجد ذلك فى كلمات كالرصاص يطلقها مذيع على شاشة إحدى الفضائيات دون أن تتوافر لديه الأدلة..هذه التهم الشائعة الآن تجدها فى مقال ساذج لشخص مغمور لا يتجاوز عدد قراء ما يكتب اصابع اليد الواحدة..وللأسف الشديد إن الفضائيات وبعض الصحف سمحت بهذه التجاوزات الخطيرة التى تهدم سمعة الناس وتشوه صورهم.
كانت بداية هذا المسلسل الخطير مع ضحايا ثورة يناير ويومها خرجت على الشاشات أفلام وقصص وحكايات لا احد يعرف من اين جاءت وكيف تم تسجيل هذه الأحاديث وكيف تم الحصول عليها..كانت جميعها دوائر سرية مغلقة والغريب إننا لم نجد جهة واحدة تحقق فى صحة وأسانيد ما جاء فى هذه الأحاديث الغريبة كل ما فى الأمر أن هذه الحملة نجحت فى تشويه صورة مجموعة من الشباب لأنهم تجرأوا يوما وثاروا فى وجه جلاديهم.
وللأسف الشديد ان نفس الاتهامات بالخيانة تناثرت بعد ذلك كالشظايا هنا وهناك ونالت أسماء كثيرة رغم أن الخيانة الحقيقية هى نهب موارد هذا الشعب واستباحة ثرواته وهى جرائم لا ينبغى أن تسقط بالتقادم..كان المطلوب وسط هذه الاتهامات أن نحدد المعنى الحقيقى للخيانة وانها لم تعد تجسسا مع عدو أو تسريب أخبار ومعلومات لجهات أجنبية ولكن الخيانة الحقيقية ان يضعك شعبك فى موقع المسئولية ثم تفرط فيها وتبيع الأرض والعرض والتاريخ وتصبح لعبة فى يد المغامرين وتجار الشعوب.
ان تكون آمينا على ماله وتسرق المال وتخون أمانة المنصب ان تجمع حولك عصابة من المرتزقة بينما أهل الخبرة والكفاءة والوطنية بعيدون عن كل شىء ان تحرم إنسانا من حقه فى عمل أو منصب أو رزق وتمنحه لعصابات الآفاقين والدجالين وكذابى الزفة، ان تترك مجموعة من الأشباح يسيطرون على زمام الأمور ويستغلون كل شىء لتحقيق مصالحهم.
هذه هى الخيانة الحقيقية ومن العار أن تتهم شابا حاول أن يصرخ لأنه لا يجد فرصة عمل أو ان تسجن انسانا لأنه أراد ان يسقط تابوت الظلم..وللأسف الشديد ان كلمة الخيانة انطلقت كثيرا فى الانتخابات البرلمانية وشوهت الكثير من قدسية المواطنة.
نقلاً عن "الأهرام"