فاروق جويدة
الأستاذ السيد يسين موسوعة علمية من طراز رفيع ورغم انه تخصص في علم الاجتماع كباحث وعالم إلا ان البعد الثقافي في تجربته العلمية اخذ دائما طريقا خاصا به, حيث يتناول القضايا الثقافية من منظورها وبعدها الإجتماعي..وفي كتابه الأخير التحليل الثقافي للمجتمع نحو سياسة ثقافية جماهيرية حاول ان يطرح امامنا الأزمة الحقيقية للثقافة المصرية متنقلا بين اكثر من مرحلة.
لقد توقف السيد يسين كثيرا عند ثورة يناير وما قبلها وما بعدها طارحا افكارا كثيرة حول الجوانب الثقافية التي مهدت لهذه الثورة.. والجديد في هذا الطرح انه يتعامل مع قضايا شديدة المعاصرة فيما حدث في مصر خلال الأعوام الأخيرة, ومن هنا تأتي اهمية هذا الكتاب فرغم انه يرجع الي ثوابت تاريخية وتجارب من ازمنة مضت فإنه يتناول بالتحليل ثورة يناير وما حدث في الانقلاب الشعبي كما اطلق عليه في ثورة30 يونيه, ومن خلال هذا الكتاب يقدم لنا السيد ياسين ورقة عمل ثقافية طرحها علي المجلس الأعلي للثقافة وشارك في مناقشتها نخبة من كبار الكتاب والمفكرين.
ان الرجل يضع يديه علي اخطر واهم سلبيات الواقع الثقافي المصري وهو يضع في هذا الإطار مقترحات وحلولا تدخل الي ادق التفاصيل ابتداء بالكتاب وانتهاء بمسرح الطفل..إن اهمية هذا الكتاب وما فيه من دراسات ومقترحات انه لا يتعامل مع قضية الثقافة من جوانبها النظرية او الفكرية فقط ولكنه يدخل بنا الي مواجهة عملية لإنقاذ الثقافة المصرية..وهنا يتوقف السيد يسين عند ظواهر ومتغيرات عالمية تركت آثارها علي الواقع الثقافي المصري ومنها وسائل الاتصال الحديثة والعولمة وما بعد الحداثة..وكثيرا ما عاد الكتاب بنا الي تجارب سابقة فشلت في تقديم نموذج ثقافي عصري لا يتخلي عن الثوابت ولا ينسي قضايا المستقبل..ان اهم ما يميز السيد يسين انه باحث جاد لم يسع الي بريق او سلطة او مال وظل مخلصا لرؤاه الفكرية والنقدية واصبح صاحب مدرسة في قراءة شواهد التاريخ من خلال رؤي واقعية لا تفصل الحاضر عن الماضي لأنها تسعي دائما للبحث عن طريق للمستقبل.