فاروق جويدة
قالت : اخترت واحدة من اجمل الأشجار فى الدنيا وغرستها فى حديقة ايامى.. كنت اعلم انها تنجب اجمل انواع الزهور وان لها رائحة زكية ونادرة ..
كانت اوراقها الخضراء تسطر كل يوم اعذب الذكريات فى عمرى وبدأت تكبر مع الأيام وانا لا ابخل عليها بشىء..منحتها كل الذى عندى..احتضنت ضعفها فى ليالى الصقيع وواجهت وحشتها فى زمن الافتقاد..وعلمتها كيف تغير لونها الجميل امام اشعة الشمس الذهبية كل صباح..ولكن الأشياء تغيرت بعد فترة امتد عودها وتشعبت فروعها ووجدت الشجرة الصغيرة الناعمة تمد اظافرها وتكبر امامى اشواكها وبعد رحلة عناء طويلة اكتشفت ان شجرتى الجميلة ما هى إلا نوع من الصبار الردىء فلا هى انجبت زهرا ولا هى منحتنى عطرا ولم يبق لى منها غير الأشواك..
قلت : لا يعيب الإنسان ان يخطئ ولكن العيب ألا يتعلم من اخطائه .. وانت منذ البداية كنت طيبة النوايا واحتضنت شجرتك الصغيرة وكبرت امامك وامتدت فروعها ولم يكن فى حساباتك يوما ان تكون نوعا من الصبار .. رغم ان فى الصبار انواع نادرة وجميلة لكن يبدو ان شجرتك كانت من أسوأ الأنواع كما تقولين .. ولا ينبغى ان يكون لديك شعور بالأسى على شجرتك الصغيرة ولا ادرى هل هى من البداية كانت شجرة صبار ام ان الظروف والأشياء المحيطة بها قد غيرتها وبدلت الزهور اشواكا .. فى تقديرى انها كانت صبارا وان الخطيئة كانت منك وفى مثل هذه الحالات لا أجد حلا غير اقتلاع الشجرة من جذورها وهذا يحتاج لبعض الوقت حتى لا تنزف وتغرق الحديقة بالدماء.. إن اقتلاع الأشياء من اعماقنا يحتاج شيئا من الإرادة والقوة والقدرة على النسيان..اعرف انك حزينة ليس بسبب الحب ولكن بسبب الخديعة ان شجرتك لم تكن امينة وصادقة حين تسللت الى حديقة ايامك واوهمتك انها تمنح الزهور ثم اكتشفت ألا شىء عندها غير الأشواك.. إن النسيان هو الشئ الوحيد القادر على اقتلاع شجرة الأحزان..ولتتركى المكان خاليا سوف تنبت فيه شجرة جديدة بلا اشواك..علينا ان ننتظر مواسم الربيع حتى وإن تأخرت.
"الأهرام"