توقيت القاهرة المحلي 06:33:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة فى أحداث عام رحل

  مصر اليوم -

قراءة فى أحداث عام رحل

فاروق جويدة



اختلطت اوراق كثيرة فى احداث عام 2014 وتداخلت الصور واصبح من الصعب ان تتواصل الأشياء مع بعضها لكى نقرأ المشهد قراءة صادقة وواعية ومحايدة .
. من اكثر الظواهر فى احداث هذا العام انها اتسمت فى احيان كثيرة بالعبثية حيث تلاقت اطراف دون مبررات واختلفت اطراف اخرى دون دوافع حقيقية، وامام هذه الظواهر العبثية لا يملك الإنسان غير ان يقرأها بطريقة عشوائية تشبه تماما العينات العشوائية التى يستخدمها خبراء الاحصاء حين تغيب الحقائق وتسود لغة الاحتمالات ..
شهد عام 2014 مشاهد كثيرة تداخلت صورها وحين يقف الإنسان امامها يشعر انه امام لوحة سيريالية كل إنسان يفهمها على طريقته ..


< فى تقديرى ان الحدث الأكبر عالميا فى عام 2014 كان ظهور اسطورة «داعش» لتقتحم بقوة المشهد العالمى وتحرك الجيوش والطائرات فيما يشبه الحروب العالمية حيث اندفعت اسراب المقاتلات الغربية والعربية تضرب فى اكثر من مكان، وبدأ الإعلام العالمى يتحدث عن اسطورة داعش التى فاجأت العالم كله .. ولم يكن غريبا ان تستدعى داعش كل التاريخ الدموى فى الذاكرة العربية والإسلامية ابتداء بتاريخ الخوارج وانتهاء بالصراع الأزلى بين السنة والشيعة .. منذ سنوات وهناك ترتيبات تجرى فى الخفاء لإشعال الفتن بين السنة والشيعة وكانت الحرب بين العراق وايران صفحة سوداء فى هذا السياق .. حين خسرت الدولتان مئات الآلاف من القتلى طوال ثمانى سنوات ..

ورغم الخلافات الظاهرية بين ايران وامريكا التى امتدت منذ خلع الشعب الإيرانى الشاه وعاد الإمام الخمينى مرفوعا على الأعناق فى ثورة شعبية جارفة فإن خيوط التواصل بين امريكا وإيران لم تنقطع حتى وصلت المفاوضات اخيرا الى ما يشبه التفاهم حول قضايا كثيرة من بينها توزيع الأدوار ولهذا لم يكن غريبا ان تشارك ايران القوات الأمريكية فى ضرب داعش .. على جانب آخر كانت ايران تدعم النظام السورى ضد المقاومة.. وتحولت داعش الجماعة الإرهابية التى ترفع راية الإسلام الى جيش جرار فى الغرب لكى تؤكد للعالم الصورة البشعة للإسلام الذى يقتل بلا رحمة ..
لا احد يعلم جذور داعش وكيف ظهرت وكيف وصلت فى العراق وسوريا وليبيا واليمن الى كل هذه الامتدادات الغريبة والمريبة والتى اسقطت اربع دول عربية مرة واحدة فى مستنقع من الدم لا احد يعرف مداه .. قد تنتهى داعش اليوم او غدا ولكنها استطاعت ان تهز بعنف اركان العالم العربى وتترك بحارا من الدم فى اربع دول عربية مرة واحدة .. وان تجعل العرب يستغيثون بجيوش الغرب يطلبون العون والمساعدة ضد فصيل إسلامى شارد، وكما ظهرت القاعدة فى يوم من الأيام واختفت فى ظروف غامضة سوف تلقى داعش نفس المصير دون ان نعرف من اقامها ومن وضع برامجها ومن وفر لها مصادر السلاح والتمويل وصورة عبثية لمنظمة كارثية اهتزت لها اركان العالم .

 من اخطر المشاهد العبثية ايضا ما فعله الإخوان المسلمون فى مصر بعد خلعهم من السلطة ان الشئ المؤكد ان الإخوان فشلوا فى إدارة شئون مصر والبعض لا يعتبر الفشل جريمة ولكن فى مصير الشعوب والأوطان هو جريمة كبرى .. خرج الإخوان من السلطة وكان من الممكن ان يعودوا فصيلا سياسيا معارضا ورافضا بين صفوف المعارضة المصرية وألا يتركوا مواقعهم فى الشارع المصرى وان يصلحوا ما افسدوه فى تجربتهم فى الحكم بالتواصل مرة اخرى مع الواقع المصرى وان تبقى معارك الفكر والخلاف فى الرأى هى طريقهم للمعارضة ولكن الإخوان سقطوا فى خطأ تاريخى حين لجأوا للعنف فى الشارع المصرى ولم يخسروا الحكم فقط ولكنهم خسروا السلطة وخسروا البشر .. كان التحول الخطير فى النشاط الإخوانى من ساحة الفكر الى ساحة الإرهاب اكبر خطايا هذه الجماعة منذ إنشائها من ثمانين عاما ..
لا يستطيع الإخوان المسلمون ان يتبرأوا من دماء ضحايا رابعة الذين حشدتهم الجماعة لإعلان إنشاء دولة صغيرة فى قلب حى صغير او تشكيل حكومة منفى او الدخول فى معارك عسكرية مع الجيش والشرطة فى سيناء .. إن هذه الخطايا حولت جماعة الإخوان المسلمين من جماعة سياسية دينية معارضة الى جماعة ارهابية ليس فى مصر وحدها ولكن فى العالم العربى كله .. وكانت خسارتها الحقيقية ان الشعب المصرى رفضها تماما واصبح يرى فيها فصيلا مدمرا فى هذا الوطن خاصة بعد اتفاقاتها المشبوهة مع قطر وتركيا وتحريك الإعلام الغربى ضد مصر ..

إن الإخوان يتحملون مسئولية ما حدث فى رابعة لأنهم حشدوا وخدعوا المواطنين البسطاء بالمال والشعارات وتركت قياداتهم جموع الشعب فى مواجهة امنية دامية .. وهم الذين اشعلوا سيناء حيث مازال الجيش المصرى يخوض معركة طويلة ضد الإرهاب، ولا شك ان الإخوان هم الذين فتحوا ابواب سيناء لدخول المرتزقة من كل انحاء العالم العربى تحت وهم مواجهة جيش مصر او إنشاء امارة إسلامية او حشد القوى الإسلامية من كل بلاد الدنيا لمحاربة المصريين ..
كان التحول فى مسيرة الإخوان الى جماعة ارهابية اكبر خطأ فى تاريخها خسرت به كل شىء .. ولكى ندرك حجم المأساة التى وقعت فيها جماعة الإخوان فى مصر فى صدامها مع الشعب والجيش فى وقت واحد، قدم إخوان تونس نموذجا مختلفا فى العمل السياسى حين تركوا قواعد الديمقراطية والانتخابات تحكم المشهد السياسى فى تونس .. غيرت الانتخابات الخريطة التونسية حين جاءت برئيس من الحرس القديم عمره اكثر من ثمانين عاما وازاحت سطوة حزب النهضة ووضعت تونس على مشارف تجربة ديمقراطية حقيقية .. وقف الجيش التونسى بعيدا عن دائرة الصراع وتقدمت حشود الشباب وحسمت القضية وخرج الإخوان من السلطة فى تونس وكان الرابح فى ذلك هو الشعب التونسى وليس الإخوان او العلمانيين والليبراليين وبقية القوى السياسية .. وفى الوقت الذى بقى فيه الإخوان تيارا مؤثرا فى تونس تحولوا الى شبح للإرهاب فى مصر المحروسة وطن الجماعة ومصدر تاريخها الطويل .


 كان انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى من اهم الأحداث فى عام 2014 وامام الظروف الصعبة التى عاشتها مصر امام تغيرات حادة كان انتخاب السيسى حدثا غير عادى امام اعباء ضخمة تحملها المصريون فى ظل ثورتين وعزل رئيسين ومؤامرات دولية احاطت بالمنطقة كلها .. كانت مصر تعيش تجربة فاشلة من حكم الإخوان وكان العالم كله منقسما تجاه هذه التجربة لأن البعض راهن على الإخوان والبعض الآخر اسقطهم من كل حساباته وكما انقسم العالم حول الإخوان انقسم على كل ما يجرى فى مصر وكل حسب مصالحه واهدافه ..

كان وصول السيسى للسلطة لحظة فارقة فى قضايا كثيرة فقد حسم قضية الأمن وخرجت مصر من هذا السرداب المظلم .. واستطاع ان يضع خطة لمواجهة الإرهاب فى سيناء حتى لو تطلب الأمر اجراءات جراحية حادة كما حدث مع الشريط الحدودى مع غزة وترحيل المواطنين المصريين الى مناطق اكثر امنا داخل سيناء .. كانت معركة الأمن ومازالت اهم قضايا مصر .. واتخذت الحكومة اجراءات قاسية فى معركة الأسعار ولكن الشعب تحمل بل إنه دفع بكل مدخراته فى مشروع قناة السويس الجديدة وقدم دعما ماليا تجاوز مبلغ 65 مليار جنيه فى اسبوع واحد كانت وثيقة عهد بين رئيس جديد وشعب يؤكد اصالته .. 
وعادت مصر تطل مرة اخرى على عالمها العربى دورا ومسئولية وكان الدعم السعودى الإماراتى للاقتصاد المصرى صاحب الدور الأكبر فى دعم مصر ما بعد الإخوان ثم جاءت جولات الرئيس السيسى الى العواصم الرئيسية فى العالم واشنطن وبكين وموسكو وروما وباريس تأكيدا لأن مصر بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الدولية المتوازنة مع كل دول العالم شرقا وغربا .. وفى هذا السياق ايضا كانت المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة وقضية المياه اخطر قضايا العصر وشهد ملف المياه مع اثيوبيا والسودان وجنوب السودان مفاوضات واسعة لضمان حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل .. برغم المؤامرات التى دبرها البعض ضد المشروع المصرى الجديد فإن الأمور تكشفت امام العالم واصبح الجميع يدرك ان فى مصر إرادة شعبية تدرك مسئوليتها ورئيس جديد يسعى لأن يضع مصر فى مكانتها التاريخية ولا يمكن ان نتجاهل دور المهندس ابراهيم محلب وحكومته فى مواجهة الكثير من الأزمات فى الشارع المصرى رغم كل الظروف الصعبة والأحلام المستحيلة

 لم يخل الأمر من مفاجآت كثيرة فى مجرى الأحداث حين عادت الحرب الباردة بين موسكو والغرب تدق الأبواب مرة اخرى بعد سنوات من غيابها بسبب اوكرانيا والقرم والعقوبات الاقتصادية الصارمة حتى وصلت التهديدات الى استخدام السلاح النووى مع الأيام الأخيرة من عام 2014 وعاد الرئيس بوتين يردد شعارات وتهديدات ازمنة مضت فى خليج الخنازير واستقلال كوبا والصراع الدامى بين القوتين العظميين .. فى نفس السياق إذا لم تكن هناك اسباب واضحة لعودة الحرب الباردة فليست هناك اسباب مقنعة لانخفاض سعر البترول بما يزيد على 50% فى شهور قليلة بما يعنى تغيرات حادة وخطيرة فى دخل دول البترول او تحويل هذه السلعة الى منطقة صراع جديدة لا احد يعلم اطرافها او المشاركين فيها إلا ان الشىء المؤكد ان سعر البترول سيبقى سرا غامضا حتى إشعار آخر 
كان العام حاشدا بأحداث كثيرة على المستوى الداخلى والخارجى وإن كانت صورة العالم العربى والإسلامى هى مركز الأحداث واسباب القلق .. حروب اهلية فى اكثر من دولة ميليشيات عسكرية فى اكثر من مكان .. صراعات بين ابناء الوطن الواحد حول مصالح تهدد مستقبل الشعوب.. انخفاض فى سعر البترول اهم مصادر الدخل فى العالم العربى .. مستقبل غامض يحيط بكل اطراف الصراع ما بين الدينى والسياسى والعقائدى والخاسر الوحيد فى ذلك كله هو العالم العربى الإسلامى لأن الصراع يدور على ارضنا ويهدد مستقبلنا ويستنزف مواردنا.

ألم اقل إن فى المشهد جوانب كثيرة عبثية امام احداث سريعة ومتلاحقة لا احد يعلم مصيرها ونحن نستقبل عاما جديدا .. كل سنة ومصر اكثر امنا واستقرارا ورخاء كل سنة وانتم طيبين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة فى أحداث عام رحل قراءة فى أحداث عام رحل



GMT 08:34 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 08:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أميون يخططون لمستقبلنا!

GMT 08:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشخاص أثروا حياتى

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا نترك الفرصة للمتربصين؟!

GMT 06:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 06:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:53 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن رد فلعها بعد موجة التنمر
  مصر اليوم - منى زكي تكشف عن رد فلعها بعد موجة التنمر

GMT 08:20 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

ترامب وبوتين يتفقان علي إعادة النظام إلى الجنوب

GMT 23:48 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

مشهد لـ صبا مبارك في مسلسل "حكايات بنات" يحقق 15 مليون مشاهدة

GMT 07:38 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

تعرَّف على المشكلات السلوكية عند أطفال الروضة وطرق حلها

GMT 00:53 2020 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو السولية يرحب بالرحيل عن الأهلي إلى الدوري الإيطالي

GMT 09:21 2020 الجمعة ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أبطال مسلسل موسى لمحمد رمضان

GMT 21:57 2020 السبت ,01 آب / أغسطس

أسعار الفاكهة في مصر اليوم السبت 1 أغسطس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon