المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء صديق قديم منذ فترة ربما طالت لم نلتق إلا فى مناسبات عابرة وان كنت حريصا على ان اتابعه من بعيد وهو يصول ويجول فى ربوع المحروسة مؤمنا بطريقته واسلوبه فى العمل انه رجل ميدانى لا يكدس امامه الأوراق والمذكرات ولكنه يفضل ان يقتحم المشاكل والأزمات ويرى ان هذا هو الأسلوب الأمثل فى بلد يعبر من منزلق خطير نحو المستقبل وعليه الا يضيع الوقت او يثبط الهمم لأن الناس فى النهاية تريد ان تشاهد نتائج الأشياء فقد ضاقت زمانا من الكلام والشعارات.
ان ابراهيم محلب يرى انه يمثل مدرسة فى الأداء والعمل قد تختلف عن رؤساء الوزراء السابقين، انه يقول ان مشاكلنا معروفة ولدينا مئات الخطط ومئات الحلول المطروحة ولكن فى النهاية هناك واقع ينتظر وشعب يريد ان يشعر ويرى النتائج .. لا توجد مشكلة او ازمة فى مصر لم تناقش من قبل ولم توضع لها البرامج والخطط ولكن كانت المأساة دائما هى العجز عن تنفيذ هذه الخطط ولهذا فهو يرى ان الإنجاز هو الحل ولاشىء غيره ..
مازال الخلاف قائما حول أداء ابراهيم محلب واسلوبه فى العمل..
هناك من يرى ان تحمل المسئولية الآن بطولة حقيقية، وهناك من يرى غير ذلك وان كان الجميع يعترف بأن ابراهيم محلب مقاتل شرس امام واقع ثقيل وميراث طويل من سلبيات عهود سابقة...
على امتداد ساعتين تحدثنا فى اشياء كثيرة فيها ما ينشر وفيها ايضا ما لا ينشر .. وكانت هذه الدردشة:
< سألت ابراهيم محلب : كيف تقيم تجربتك فى الإدارة بعد هذه الفترة مع مسئولية القرار وهل انت راض عنها .. البعض يرى انك تهتم كثيرا بالتفاصيل وبقدر ما فيها من الإنجاز بقدر ما فيها ايضا من المخاطر ..
قال : اعترف بأننى اهتم كثيرا بالتفاصيل لأننى أؤمن بأن الإصلاح يبدأ من اسفل وليس من أعلى، وان الأداء الوزارى التقليدى الذى اعتدنا عليه لا يصلح الآن امام هذا الكم من المشاكل والأزمات ..
القضية لم تعد رأس العمل لأننا شركاء فى النجاح ولا يمكن ان يتحقق هذا النجاح بقيادة شخص واحد سواء كان وزيرا او مسئولا مهما كانت قدراته وإمكانياته نحن فى حاجة الى روح الفريق .. على الجميع ان يعمل من اصغر مسئول الى اعلى منصب فى الوزارة بنفس الدرجة من الحماس والقدرة .. انا رجل اهتم بكل التفاصيل واتابعها واعالج اخطاءها وبعد ذلك يكون الحساب .. هناك مشروعات تبدو صغيرة ولكنها تعكس هذا الفكر وهذا الأسلوب فى العمل، كان من الممكن مثلا ان يكون ترحيل الباعة الجائلين من قلب العاصمة ازمة كبيرة امام الحكومة وآلاف العاملين فى الشوارع ولكنها انتهت بصورة ارضت الجميع لأنها قامت على التفاهم والحوار ومراعاة الظروف .. ما حدث فى قلب العاصمة التى عادت اجمل مما كانت فى العصور الماضية .. وقامت جميع الأطراف بدورها فى تحقيق هذه النتيجة الحكومة والشرطة والمواطن .. هنا تأتى اهمية وقيمة التعامل مع الواقع وليس فقط تبادل الآراء والمذكرات والقرارات، ويقف كل شىء على تلال من الورق او الاجتهادات التى لا تتحقق ..
< قلت : البعض يرى ان الحكومة غرقت فى التفاصيل والقضايا الصغيرة.. بمعنى آخر انها تفتقد الرؤى فى كثير من المجالات .. وان هذا هو الخطأ الأساسى فى سياسة التفاصيل والحلول الميدانية ..
قال محلب : هناك تصور شامل وكامل حول القضايا التى نضعها امام اعيننا وهى لا تغيب عنا .. وهى ضرورة الإصلاح الاقتصادى وتحقيق التنمية المستدامة وإدارة اصول الدولة بصورة تحمى المال العام ومحاربة الفساد .. وفتح مجالات الاستثمار والإصلاح الإدارى .. هذه المنظومة تعمل جميعها فى وقت واحد، كيف نخرج بالاقتصاد المصرى من عنق الزجاجة وكيف نحقق معدلات مؤكدة فى التنمية وكيف نواجه الفساد بكل اشكاله ونفتح المجال للاستثمار فى ظل جهاز إدارى متماسك؟!.
فى هذا الإطار العام نحن نعمل ونجرب ونصيب ونخطئ ولكن عجلة الإنجاز لا تتوقف لأننا نتابع بدقة من خلال الواقع ما نحققه فى كل مجال .. وهنا لا يمكن ان نفصل بين الفكر والواقع بين الهدف والنتيجة لأن الفكر مهما كان متقدما وعصريا لابد ان يواكبه واقع ملموس ومعاش يؤكد هذه الحقائق .. ان قيمة اى مشروع ليس فقط فى افكاره واهدافه ولكن فيما يتحقق من هذه الأهداف .. انا رجل تربطنى علاقه قوية وقديمة بالشارع واؤمن بالحلول الميدانية وليس الحلول الورقية، انا ابدأ يومى فى العمل فى السابعة صباحا وحتى منتصف الليل وقد اعتدت على ذلك سنوات طويلة وهذا الأسلوب قد لا يراه البعض مجديا ولكننى اعتدت عليه وانجزت فيه..
وبجانب هذا فأنا حريص على التواصل مع الناس واحب ان اراهم واسمع منهم ولا اعتمد على تقارير من هنا او هناك لأننى حين ارى واسمع فأنا قادر على إصدار القرار المناسب وهذا ما حدث فى معهد القلب فقد تغير كل شىء فى ايام قليلة لأننا وضعنا ايدينا على المشكلات الحقيقية وعالجناها بحكمة وحسم.
< قلت : تعانى مصر ازمة فى الكوادر البشرية هذه حقيقة مؤكدة .. لقد تم تجريف البلد فى سنوات سابقة واصبح الوصول الى الكفاءات الحقيقية المؤهلة امرا صعبا إذا لم يكن مستحيلا ..
قال ابراهيم محلب : لدينا ثلاث قضايا خطيرة جدا هى الثقافة والصحة والتعليم وهذه الأزمات تعكس واقعا ثقافيا مشوها وتعكس ايضا فراغا مخيفا . لقد أنشأنا وزارات جديدة للسكان والتدريب والإصلاح الإدارى والصناعات الصغيرة والتعليم الفنى والتنسيق الحضارى وهذه الوزارات هدفها الإنسان، هل يمكن ان نلغى مسئولية المواطن فى قضية النظافة مثلا هل يمكن ان نقبل ظاهرة الدروس الخصوصية التى دمرت العملية التعليمية هل تتصور ان فى مصر كارثة اسمها «السنترز» التعليمى حيث يجتمع مئات التلاميذ فى الشقق والأحواش والجراجات دون رقابة من احد وامام كل تجمع توجد اكشاك لبيع المخدرات للتلاميذ .. تخريب العقول فى الدروس وخراب صحى فى المخدرات ولا احد يعلم شيئا عن المدرس الذى يشرح او المناهج التى تشوه عقول التلاميذ، وامام دور غائب للأسرة وضمائر ميتة لا تخاف الله تحدث الكوارث ..
نحن الآن فى حملة للتصدى لكل هذه الظواهر السيئة فى الصحة والتعليم والثقافة .. وقد طلبت من وزير الثقافة د. عبد الواحد النبوى ان تتحول قصور الثقافة بالمحافظات الى مراكز تعليمية وثقافية وحضارية فى وقت واحد وان يتم التنسيق بين وزارات التعليم ووزارة الثقافة فى هذا الشأن.
انا على يقين ان التغيير الحقيقى لابد ان يبدأ من الأقاليم ومن اصغر قرية الى اكبر مدينة، وان التغيير لن يكون فوقيا فقط لابد ان ننزل الى الناس فى ابعد نقطة فى هذا الوطن لكى يكونوا شركاء معنا لأن الحكومة لا تستطيع ان تفعل كل شئ بدون دعم من الناس ..
< قلت لرئيس الوزراء : هناك فراغ سياسى رهيب فى الشارع المصرى.. الدولة غائبة سياسيا هل تدركون هذه المأساة .. ماذا عن الانتخابات والبرلمان القادم ؟!
قال : انا اراهن من منطلق وطنى وتاريخى ـ على أن تشهد مصر تجربة انتخابية نزيهة ومحايدة لأن الشعب المصرى لا ينسى وهو قادر على تقييم الأشياء والمواقف، مازال المصريون يتحدثون عن تجربة ممدوح سالم فى الإنتخابات الحرة النزيهة ومازالوا يذكرون احمد رشدى وزير الداخلية وانا اطمع ان يضاف الى هذه الأسماء المضيئة تاريخ جديد للإنتخابات البرلمانية فى مصر هذا العام ..
هناك فراغ سياسى فى الشارع المصرى منذ فترة بعيدة وقد ترك ذلك فرصة للإخوان المسلمين لملء هذا الفراغ وعلى الحكومة ان تقوم بدورها السياسى والحزبى فى حماية الانتخابات وان تقوم الأحزاب بدورها فى الشارع المصرى لاختيار افضل العناصر للبرلمان القادم .. نحن نضع آمالا واسعة على هذا البرلمان لأن العالم كله يتابعنا وينظر الينا والشعب المصرى يستحق برلمانا قويا نزيها يكمل مسيرة هذا الشعب فى البناء والتنمية والحرية .
< قلت : تبدو احيانا ظلال صراعات غامضة بين مؤسسات الدولة وهذه الظاهرة تترك آثارا سلبية لدى المواطن، وعلى سبيل المثال هناك معارك بين الجهاز المركزى للمحاسبات ورئيسه المستشار هشام جنينه وبعض المؤسسات الأخرى .. انا لا اعرف المستشار جنينه ولكنه يتعرض لهجوم ضار من الإعلام .. إذا كان وجود الرجل يمثل مشكلة او ازمة لماذا لا تأتون برئيس آخر للجهاز، وإذا كانت الأصوات التى تنتقده على غير حق لماذا لا يصمت هؤلاء المزايدون .. ان تشويه صورة مسئول كبير تجاوز كبير خاصة إذا قام على باطل!.
قال محلب : الإعلام المصرى الآن يقتل المسئول كل يوم وانا شخصيا وكمسئول احمل تقديرا عميقا للمستشار هشام جنينه وكل ما يقدم الجهاز من تقارير محل تقدير منى ومن الحكومة .. اما الخلافات بين الجهاز وبعض المؤسسات فى الدولة فلابد ان نحسم هذه الظواهر من خلال الحوار والتفاهم لأننا ينبغى ان نعلو فوق كل الخلافات من اجل مصلحة الوطن والمواطن .
< قلت : الدولة تركت الإعلام هايص لايص ونسمع ونرى الآن ما لم نسمع من قبل ومالا نتمنى ان نرى فى المستقبل .. هناك كوارث على الشاشات وفى الصحف والدولة فى واد والإعلام فى واد آخر .. اين قوانين الإعلام والصحافة والتى انتهى إعدادها منذ فترة؟!
قال : سوف تعرض فى صورتها النهائية خلال ايام قليلة على مجلس الوزراء لإقرارها بحيث يعاد تشكيل الواقع الإعلامى والصحفى للخروج بهذه المؤسسات العريقة من ازماتها ولكى يؤدى الإعلام المصرى دوره فى البناء والتنمية والحريات المسئولة، ان ملفات مشروعات هذه القوانين لدى المستشار الزند وزير العدل والدكتور اشرف العربى وزير التخطيط وسوف تعرض على مجلس الوزراء خلال ايام ..
< قلت : كيف ترى تجربة المحافظين والوزراء الجدد هل انت راض عن مستوى الأداء ام لديك تحفظات عليها؟!
قال : اعترف بأن فيها نماذج ناجحة وهى الأقل فى العدد وهناك نماذج اخرى لم تنجح .. مازلت احلم بمسئولين اقرب للناس وللشارع واتمنى حلولا غير تقليدية للكثير من المشاكل والأزمات .. وان يكون المسئول صادقا مع نفسه .. البعض نجح والبعض الآخر اخفق، هناك من المحافظين من يقضى ثلاثة ايام فى القاهرة كل اسبوع بعيدا عن موقع عمله .. وهذه سلوكيات مرفوضة ولا تتناسب مع قدسية المسئولية والواجب.
< قلت : وماذا عن الشباب اين هم فى اجندة الدولة؟!
قال : فتحنا الأبواب امام جيل جديد من الشباب فى الوزارة وحركة المحافظين لدينا عدد كبير من الوزراء فى الأربعينيات من العمر وعدد آخر من المحافظين فى الثلاثينيات.
< قلت: انا لا اتحدث عن المناصب اين التواصل والحوار مع مستقبل مصر؟!
قال: هذا الدور ينبغى ان نشارك فيه جميعا، الحكومة والأحزاب والمجتمع المدنى والمثقفون واهل الفكر اننا نسعى الى مواجهة ازمة البطالة وتوفير فرص عمل لشباب مصر ونحاول ان نواجه مشاكل المواطن المصرى فى كل المجالات فى الصحة والتعليم والإنتاج والثقافة وهذه هدفها شباب هذا الوطن .. نحن نواجه ميراثا من الأخطاء والأزمات والإهمال ولابد ان تتوحد ارادتنا لكى نعبر بمصر من هذا المنزلق الخطير .. وانا متفائل بمستقبل مصر واجيالها القادمة، المهم ان نضع اقدامنا على الطريق الصحيح .. ان المواجهة الأمنية مع الإرهاب لاتكفى ولكن لابد من مواجهة فكرية تتطلب ترشيد الخطاب الدينى وهذا ما يدعو له الآن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل المناسبات وهنا يأتى دور الإعلام والمؤسسات الثقافية والتعليمية وهذا مشوار طويل.
< قلت: ماذا عن الأموال الهاربة والكسب غير المشروع؟!
قال : قانون التصالح مع قضايا الكسب غير المشروع يشهد الآن مواقف ايجابية من عدد كبير من اصحاب هذه القضايا وهى مازالت تتسم بالسرية ولكننا سنعلن عنها قريبا حين تتم الاتفاقات وهى فى تقديرى ناجحة وستعيد جزءا لا بأس به من الأموال للشعب المصرى وهى لن تقل فى مراحلها الأولى عن 6 مليارات جنيه.
< قلت : هل لديك اقوال اخرى ..
قال : ان يخفف الإعلام المصرى من حملاته على الحكومة، انا اقدر واحترم كل نقد بناء ولكن المذابح الإعلامية تقلقنى كثيرا.
< قلت : اشعر بأنك متفائل؟
قال: لن افقد إيمانى بأننا قادرون على عبور هذه الأزمة بالقيادة الحكيمة لرئيس مصر والإيمان الحقيقى لدى المصريين، بأنهم قادرون على إعادة مصر الى مكانها ومكانتها بالعمل والإخلاص والتضحية فلا بديل امامنا غير ان ننجح وسوف ننجح بإذن الله.