بقلم - فاروق جويدة
أصابتنى حالة من الحزن الشديد وأنا أشاهد الحرائق التى دمرت عشرات الآلاف من اشجار النخيل فى الوادى الجديد.. أعداد مهولة من أشجار النخيل آكلتها النيران فى مذبحة تاريخية لا تقل عن مذبحة المماليك فى القلعة.. وقد سألت نفسى ولماذا أشجار النخيل هى التى تتعرض لهذه الحرائق.. هناك أسباب كثيرة لذلك.. أن الوادى الجديد قد شهد فى الفترة الأخيرة انتفاضة رائعة فى إنتاج محصول البلح من أنواع مختلفة.. وهناك مزارع ضخمة وشركات عربية وأجنبية تقوم الآن بتصدير البلح إلى الأسواق الخارجية وأصبح بلح الوادى الجديد يتمتع بسمعة دولية فى العالم وربما لأول مرة تصبح مصر دولة مصدرة للبلح.. السبب الثانى أن المجتمعات حين تسقط فيها منظومة القيم تغتال أشجار النخيل وتهتم بالحشائش وفى هذه الحالة لن يكون غريبا أن تقطع أعناق النخيل وترتفع الحشائش وهنا يمكن أن تكون الحرائق عقابا لكل نخلة ترفع رأسها.. إن للنخيل صفات خاصة تجعله مميزا فى كل شيء أنه يرتفع دائما فى السماء ولا يقبل أن يحنى رأسه حتى أمام العواصف والرياح وهو دائما لا يبخل على أحد بأعذب الثمار فيه..إن ثماره تتساقط للعابرين والمحتاجين وكل إنسان يجد تحت اقدامه ثماراً ترضيه..والنخيل يُعلم الناس الصبر أنه لا يعرف العطش ولا أحد يعرف من أين يأتيه الماء هل من الصحراء الفقيرة التى ينبت عليها أم من الامطار القليلة التى قد تزوره أياما كل عام أم هو الندى الذى يصافحه كل صباح..لا أعرف كم عدد النخيل الذى احترق فى الوادى الجديد وهل هو قدر أم مؤامرة أم غضب هل تسلقت الحشائش وأفقدت النخيل شيئا من شموخها فاحتجت وقررت الرحيل هل جاءت فى غير زمانها وزرعت فى غير أرضها ولم تجد ما تستحق من الرعاية والاهتمام..إن احتراق النخيل فى الوادى الجديد ليس أمرا عاديا ولا ينبغى أن يمر علينا مرور الكرام..احتجاج النخيل له أسباب كثيرة فلم يكن مجرد اسراب امتدت على الأفق البعيد وأحرقتها لحظات جنون أو غضب أو تآمر.. أم أن النخيل لم يكن مرغوبا فيه على شواطئ نيلنا الخالد وحين غير المكان.. احترق..
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع