بقلم : فاروق جويدة
جمال المرأة حين تتقدم بها سنوات العمر فى الهدوء والوقار والسماحة.. وصورة الرجل حين يغزوه المشيب هى الصلاح والتقوى والترفع.. كان يحكى قصته وملامح وجهه تعكس الطيبة والتسامح.. تجاعيد الأيام على ملامحه السمراء تحمل خبرات عمره الطويل كان حزينا وهو يشكو الأبناء الذين كبروا ونجحوا وتنكروا له حتى انه وهو يعيش خريف أيامه مازال يعمل حتى الآن.. كنت أخذ الطعام من فمى وأطعمهم وكنت اشترى لهم ملابس الشتاء وأقضى أيامى على ملابس أعوام مضت.. وتخرجوا فى الجامعات بما كنت اجمعه من المال الحلال وهو قليل جدا لكن الله بارك لنا فيه.. آخر قروش بقيت عندى كنت أساعدهم بها فى زواجهم .. ولكنهم للأسف الشديد تخلوا عنى.. لا اذكر اننى فى يوم من الأيام بخلت عليهم بشئ آخر.. ما بقى عندى كانت ثلاجة صغيرة اشتريتها بالتقسيط ولم أسدد ثمنها حتى الآن أهديتها لأصغر واحد منهم وهو يتزوج.. لم اشتر قميصا منذ سنوات وكنت سعيدا أن أراهم فى بيوتهم..
ولكن الغريب إنهم اختفوا جميعا فى ظروف غامضة بعد أن تحسنت أحوالهم رغم اننى أعيش وحيدا وقد ترملت عليهم بعد رحيل أمهم.. زوجتى.. وأنا أعيش الآن وحدى وهم اختاروا البعاد طريقا.. منذ شهور قليلة مرضت ولم اعد اذهب إلى عملى وهو عمل بسيط اخجل أن أقوله لك ولكنه عمل شريف.. اتصلت بولدى الأكبر اطلب منه شراء دواء السكر والضغط فلم يرد.. حاولت أكثر من مرة ولم يرد.. وبعد أسبوع جاءنى صوته.. لقد طلبتنى .. قلت الدواء خلص ولم أتناوله منذ أسبوع واشعر بدوار كل يوم .. سكت قليلا .. وقال لقد دفعت مصاريف الأولاد فى المدرسة ولم يبق شىء.. أتصرف يا بابا .. قال يا بابا ولأول مرة اسمعها ثقيلة سوداء تتسلل إلى سنوات عمرى كأنها سهم أحمق .. لماذا كل هذه القسوة من الأبناء .. أعطيناهم كل شىء العمر والشباب والمال والصحة .. وبخلوا علينا بكل شىء .. لم نكن مع أبائنا بهذا الجحود .. ماذا جرى فى الدنيا .. أرجوك قل للشباب ارحموا شيخوخة الآباء.
نقلاً عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع