بقلم : فاروق جويدة
حكى لى كاتبنا الكبير الراحل توفيق الحكيم هذه الحكاية.. قال ذهبت أنا وطه حسين إلى سويسرا نقضى فصل الصيف بين بحيرات جنيف الساحرة هاربين من حرارة الصحراء..وكنا نتمشى كل صباح أمام فندق عتيق نسكن فيه وأحيانا نتناول القهوة على أحد المقاهى واشترى جريدة من الجرائد المصرية التى تصل إلينا بعد صدورها بأيام..وذات يوم سألنى طه حسين ألم تلاحظ يا توفيق أنه لا يوجد خبر واحد نشر عنا فى أي صحيفة قلت له لم أحاول أن أتحدث معك فى هذا الموضوع قال:إذا كان هذا يحدث ونحن أحياء بينهم فماذا سيحدث بعد أن نموت؟..يا توفيق المصريون شعب يجيد النسيان..ولن يذكرنا احد..كانت هذه نبوءة طه حسين منذ سنوات بعيدة ولم تكن مفاجأة له ألا تنشر صحيفة مصرية خبرا عن اثنين من أهم رموز مصر الثقافية والفكرية..والذى حدث منذ سنوات تحول الآن إلى ظاهرة عامة لا يوجد فى الإعلام المصرى الآن خبر أو حديث عن رمز من رموزنا باستثناء لاعبى كرة القدم والمطربين والمطربات..لقد تغيرت موازين الأشياء وتبدلت الصور أمام واقع غريب يلح على الناس بكل توافه الأخبار والأحوال والبشر، إن زواج مطربة أو طلاق فنانة أهم من الصواريخ التى انطلقت فى سماء سوريا وعدو غاشم دمر وطنا..إن مباريات كرة القدم لا تقابلها أعمال فنية أو ثقافية تؤكد دور الثقافة فى حياة الشعوب..إن العالم العربى يشهد كل يوم مهرجانا فى أى شىء وعلى شاشات الفضائيات كل يوم وليلة صاخبة وأصوات شاحبة وتبحث وسط هذا كله عن الفن الحقيقى ولا تجد غير الصمت والضجيج..إنها لعنة المال وقد أصبح يمثل كل شىء ومن أجله يفعل الإنسان أى شىء..مسابقات فى الغناء والشعر والأزجال والرقص والطبول بينما العقل العربى غارق فى متاهات الإرهاب..
وسط هذا كله هل نسينا رموزنا القديمة بل والحديثة؟ هل اختفى دور مصر الثقافى بتلك الوجوه التى صنعت النهضة والقيمة والمكانة؟..لم يخطئ طه حسين حين قال إننا شعب ينسى ولكن الأخطر إننا شعب لم يعد يدرك قيمة الأشياء ولهذا فرطنا فى دورنا الثقافى والفكرى وكان أجمل ما فينا.
نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع