بقلم-فاروق جويدة
كان اللقاء الأول بينى وبين فضيلة الشيخ محمد الغزالى عالم الدعوة الشهير فى مزرعة كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس فى الهرم ويومها شاهدت مصر الفكر المستنير والتسامح بكل ما فيه من التواضع والجمال..الشيخ الغزالى وإحسان عبد القدوس كان صديقنا العزيز محمد عبد القدوس قد تزوج ابنة الشيخ الغزالى وكان الزواج يبدو غريبا بين مدرستين مختلفتين فى الفكر والرؤى الشيخ الغزالى الذى سماه والده تيمنا بالإمام ابى حامد الغزالى رحمة الله عليه ليصبح من رموز الفكر الإسلامى اجتهادا وتأثيرا وبريقا..على الجانب الآخر كان كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس بكل ما حمله من الجرأة والشجاعة فى مواجهة قضايا المجتمع فى رواياته التى سافر فيها إلى آفاق بعيدة فى التحليل والخيال والمشاعر..كانت هذه اللوحة الغزالى وإحسان تعكس صورة الحضارة والإبداع والتدين..ورغم المعارك الضارية التى خاضها الشيخ الغزالى دفاعا عن الإسلام وعشرات الكتب التى اجتهد فيها وأبدع فإن هذا التناقض كان من سمات المجتمع المصرى الذى لم يعرف التعصب أو رفض الآخر أو الاستخفاف بعقائد الآخرين..طاف الشيخ الغزالى كل العواصم العربية وقدم فى أكثر من كتاب نماذج حضارية وعصرية فى قضايا المرأة والحوار مع الآخر ومواجهة التشدد بكل ألوانه وعلاقة الدين بالسياسة..عاش فى الجزائر بضع سنوات وكان صاحب دور كبير فى إعادة اللغة العربية إلى المجتمع الجزائرى فى لحظة حرجة من تاريخ الجزائر ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية أستاذا ومحاضرا فى جامعاتها وحين عاد إلى مصر تولى مسئولية الدعوة فى وزارة الأوقاف..وقد اشتبك كثيراً فى معارك متعددة كانت مواجهات فكرية وثقافية ودينية من بينها معاركه الشهيرة مع عدد من كبار كتابنا..وفى الفترة التى شهدت ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة ذهب الشيخ الغزالى فى رفقة الشيخ الشعراوى إلى السجون واجريا حوارات واسعة مع أعضاء التنظيمات الإرهابية فى بداية عهدها وكان لهما دور كبير فى إنقاذ أعداد كبيرة منهم من لعنة التطرف والإرهاب..وبقى الشيخ الغزالى نموذجا للتسامح والاعتدال فى فكره ومواقفه وحين ذهب لإلقاء محاضرة عن الإسلام والغرب فى المملكة العربية السعودية لقى ربه هناك ودفن فى البقيع حيث يرقد عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع