بقلم : فاروق جويدة
كان من الصعب أن يجتمع عرس وجنازة فى قرى مصر مجتمعة .. كثيرًا ما كان أصحاب العرس يفاجئهم رحيل جار، وكان العرس يتوقف أو يؤجل أو يتم بلا احتفال صاخب، وكان أصحاب العرس يذهبون لتقديم واجب العزاء فى سرادق العزاء.. وفى ريف مصر، كنا نشاهد عشرات البيوت وهم يحملون الطعام إلى سرادق العزاء تكريمًا للميت وحرصًا على علاقات إنسانية امتدت مئات السنين .. كنا فى رمضان المبارك نتبادل السهرات، البعض يسمع القرآن والتواشيح والابتهالات، والبعض يسمع قصص أبوزيد الهلالى، وهناك من ينتشى مع كوكب الشرق .. هذا الزمان تغير رغم أن الحياة كانت أكثر تواصلاً وكانت أكثر بساطة.. أنا عاتب على بعض الظواهر التى غابت فيها العلاقات الإنسانية ومشاعر الرحمة، والقسوة التى انتشرت فى سلوكيات الناس.. كان المصريون أكثر رقيًا وقناعة وحبًا، وكان الشارع أكثر هدوءا، والبيوت أكثر ونسًا .. وكان السبب فى ذلك أن الإنسان كان أكثر رحمة ورضا وقناعة.. أين هذا الزمان الذى جمعنا على الحب وكانت الكلمات أكثر رقيًا فى البيت والشارع والعمل؟ إنه الإنسان الذى زرع الأشجار والحدائق ثم اكتفى بالحشائش وخسر أجمل ما فيه..
من يعيد للأسرة أصولها، ويعيد للشارع انضباطه، ويعيد للنفوس صفاءها، ويعيد للقلوب طيور الحب التى هاجرت؟ من يعيد الإنسان المصرى المبدع؟ لا أدرى أعاتب من؟ هل هى الظروف والأحداث؟ هل هى الأزمات التى حاصرتنا زمنًا طويلًا فى كل شيء؟ أم هو اختلال القيم وغياب الوعى وتراجع الأحلام؟