كل بلاد الدنيا لا تغنى المصرى عن كل ذرة تراب فى وطنه..وهؤلاء الذين سافروا وتغربوا فى بلاد الله شرقا وغربا تركوا قلوبهم بين حارات مصر وشوارعها وقراها ومبانيها العتيقة لا أحد منهم حمل قلبه معه ربما أخذ شيئا من عبير هذه الأرض المباركة فى ذاكرته أو حقائبه ولكن القلب بقى فى أرض الكنانة..عندما شاهدت حشود المصريين وهم يتجمعون أمام سفارات مصر فى الخارج وقد تركوا بيوتهم رغم حرارة الجو فى العواصم العربية أو برودته الشديدة فى دول أوروبا قلت هذه هى مصر تجمعها الشدائد والمحن وهذا هو شعبها العريق يتصدى دائما لكل التحديات.. كانت الحشود من أبناء مصر يطلقون الأغانى والأطفال الصغار يرقصون والمرأة المصرية فى أعظم وأرقى تجلياتها وهى تقف صفوفا لكى تؤكد للعالم كل العالم أن مصر تشق طريقها نحو نهضة حقيقية وان هؤلاء الذين خرجوا وشاركوا فى الإنتخابات يعبرون عن إرادة شعب قرر أن يقبل التحدى وان يعيد أمجاده القديمة..
كان السؤال الذى راودنى لماذا خرجت حشود المصريين العاملين فى الخارج بهذه الصورة وبهذه الكثافة وهذا الحضور؟
لماذا تدافع هؤلاء بأزواجهم وزوجاتهم وأطفالهم نحو هذه المشاركة؟.. إنهم هناك غرباء ويقرأون فقط عن أخبار الوطن وهمومه ولكن هذه هى طبيعة المصرى انه لا يحمل جواز سفر ولكنه يحمل وطنا فى قلبه..إن هؤلاء رغم غربتهم يقدرون كل ما حدث على أرض الكنانة هناك أشياء شعروا بها وشاهدوها وهى تحمل شواهد أحلام جديدة لبناء وطن جديد أهمها مايلى:
> لقد شاهد هؤلاء جيش مصر وشرطتها وهم ينتشرون فى كل شبر من أرض سيناء ولأول مرة بعد نكسة 67 يشاهد الشعب المصرى جيش مصر بكل قواته أرضا وجوا وبحرا يعود إلى أرضه المباركة ويحررها مرة أخرى من حشود الإرهاب..إن قوات مصر الباسلة تظهر على هذا الأفق الذى يمتد أكثر من 60 ألف كيلو متر مربع..لقد منعت إتفاقيات السلام دخول هذه القوات إلى أرضها سنوات طويلة إلا فى حدود إمكانات حركة أو تسليح أو وجود..كانت عودة جيش مصر إلى سيناء إستردادا للكرامة وحفاظا على قدسية تراب الوطن وتحرير أرضه..هذه المشاهد والجيش ينطلق أعادت للمصريين روحا جديدة وإحساسا بالفخر وعلى الجانب الاخر كانت مشروعات تنمية سيناء تنطلق على أرضها بينما آبار الغاز فى البحر المتوسط وهى حق تاريخى تؤكد أن مصر العظيمة قد عادت مرة أخرى..إن حشود الجيش المصرى فى سيناء كانت علامة بارزة على عودة مصر إلى مكانتها.
> فى كل يوم كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يفتتح مشروعا جديدا فى كل أرجاء مصر وما بين الصعيد وبورسعيد والعلمين فى الساحل الشمالى وتنمية قناة السويس والأنفاق والكبارى والطرق والكهرباء هذه كلها مصر الجديدة التى تتحدى الأن سنوات الإهمال والتراجع والفهلوة..لم يترك السيسى مكانا إلا وشيد فيه شيئا جديدا واضحا وصريحا هذه المشروعات تؤكد أننا أمام دولة تفكر وتخطط وتنجز وان عائد هذه المشروعات سوف يظهر قريبا حين نجد ملايين الشباب يعملون فى السويس وبورسعيد والإسماعيلية ومطروح وسيناء والمدن الجديدة فى صعيد مصر..إن ما يجرى فى مصر ليس مانشتات صحف أو برامج هواء لأن المساكن الجديدة تجمع الآن آلاف الأسر والعائلات من أهالى العشوائيات ولأن الطرق غيرت خريطة مصر ولأن الكهرباء أضاءت حياة المصريين..هذه المشروعات كانت رسالة واضحة لكل المصريين إن هناك مستقبلا جديدا ودولة تحمل فكرا وإرادة أمام هذا كله تطل أمامنا عشرات المشروعات الضخمة فى الإنتاج الزراعى وتربية الأسماك والسلع التموينية والبطاقات والمعاشات لمحدودى الدخل .. هناك أعباء فرضتها ظروف المرحلة ولكن الشعب كان واعيا لمسئولياته مدركا لما تتعرض له مصر من الأزمات والتحديات.
> حين يغيب الأمن تسقط كل مبررات الوجود والحياة والعمل والإنجاز والأمن ليس مجرد كلمة يرددها الإنسان ولكنه الأساس الذى قامت عليه كل الحضارات إنه الأبجدية الأولى للإستقرار والآن تغيرت كل الأشياء فى حياة البشر وفى يوم ليس ببعيد كان من الصعب ان تخرج من بيتك سالما مطمئنا لأن الخوف يطاردك فى كل مكان ومع غياب الأمن يغيب الإحساس بالحرية وتسيطر أشباح الخوف وفى السنوات الأربع الماضية كانت عودة الأمن هى أهم وأخطر ما إستعادته مصر أمام الفوضى وغياب الإستقرار ولا عمل ولا إنتاج ولا إنجاز فى ظل غياب الأمن ومن هنا فإن إستعادة الشارع المصرى لحالة الإنضباط التى غابت وعودة الشرطة المصرية لأداء دورها فى تأمين حياة المصريين وانتشار قوات الجيش عند الضرورة وعودة الحياة العادية إلى الإنسان المصرى كل هذه الأشياء أعادت التوازن لمجتمع سادت فيه الفوضى وفقد أهم وأخطر عناصر وجوده وهو الاستقرار..حين ظهرت هذه الشواهد بدأت المشروعات وبدأ الإنتاج وعادت الإستثمارات وتحركت سبل الحياة بنا نحو مستقبل جديد.
> كانت مصر قد فقدت الكثير من مصادر قوتها ومكانتها أمام تفكك العالم العربى وغياب السياسة الخارجية الرشيدة والفعالة والمؤثرة ولكن روح مصر الدور والمسئولية والمكانة بدأت تطل مرة أخرى ورغم كل ما حدث من المؤامرات والفتن إستطاعت مصر أن تتجاوز ذلك كله وان تعيد جسورها مع كل دول العالم..عادت العلاقات العربية فى أبهى صورها رغم ما تعيشه الأمة من المحن والنكبات وعادت أساليب التعاون بين مصر والعالم الخارجى دون سيطرة قوة من القوى الدولية على القرار المصرى وتعددت مصادر السلاح مع كل دول العالم وشهدت العلاقات بين مصر وروسيا مرحلة جديدة بعد فترة انقطاع طالت..وعادت الصين تطل مرة أخرى فى مشروعات ضخمة وشهدت العلاقات المصرية الهندية تطورات كبيرة على كل المستويات ثم كان الإهتمام الأكبر بما يجرى من صراعات وأزمات فى ليبيا عمق مصر الإستراتيجى ثم كانت مراجعة ضرورية مع السودان الشقيق وتوحيد المواقف فى الأزمات المشتركة خاصة مياه النيل وسد النهضة والعلاقات مع دول حوض النيل خاصة اثيوبيا..وشهدت العلاقات المصرية العربية تطورات كبيرة فى التعاون مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وعمان والبحرين والكويت والعراق وما يجرى فى سوريا واليمن..كانت العلاقات الخارجية بين مصر والعالم من أهم المعارك التى خاضتها مصر فى الفترة الأخيرة وحققت فيها نتائج مذهلة حتى وصلت إلى إستقلالية القرار المصرى فى كل المجالات .
> لا نستطيع أن نتجاهل أن حلم الخروج من الشريط الأخضر على ضفاف النيل كان حلما قديما بدأنا أخيرا نشاهد الكثير من شواهده فى المدن الجديدة التى تقام الأن لكى تنتهى معها محنة العشوائيات..هناك مدن جديدة فى العلمين والمنصورة وبورسعيد والسويس والإسماعيلية ومدن الصعيد الرئيسية وسيناء وهذه المدن سوف تواجه أولا التكدس الرهيب فى العشوائيات وتفتح آفاقا جديدة أمام الملايين من المصريين بحيث تكون الحياة أكثر كرامة ونظافة وأمنا..هناك أيضا مشروع العاصمة الجديدة وهو مشروع ضخم وضعت فيه الدولة أموالا كثيرة.
> وسط هذا كله مازالت مصر تواجه مؤامرات دولية مشبوهة تحاول إسقاط مشروع المستقبل لبناء دولة جديدة والغريب أن هناك أطرافا دولية وإقليمية تسعى إلى ضرب التجربة المصرية وقد شجع الإخوان المسلمون هذا التوجه وشاركوا فيه دون مراعاة لمشاعر الإنتماء والوطنية والحرص على مصالح هذا الشعب لقد انضم الإخوان إلى أعداء مصر ودبروا المؤامرات وشاركوا فيها بل إنهم وقفوا مع حشود الإرهاب التى يتصدى لها الجيش والشرطة فى سيناء..كانت كل حسابات الإخوان المسلمون خاطئة ومغرضة وهم يتعاونون مع أطراف دولية لها مصالح وأهداف فى تفتيت العالم العربى وقد خسر الإخوان كثيرا ليس على مستوى الخارج ولكن أخطر وأهم خسائرهم أنهم كانوا شركاء متعاونين مع دول أجنبية أساءت للمصريين كثيرا.
> أعود من حيث بدأت إلى صورة المصريين فى الخارج وهم يحتشدون أمام السفارات المصرية يدلون بأصواتهم فى الإنتخابات الرئاسية مؤكدين أنهم يدركون ما يحدث فى مصر من إنجازات وحالمين بأن تعود مصر إلى مكانتها فى قلب العالم حرة كريمة عظيمة متحضرة..لم يكن وجود المصريين فى الخارج بهذه الكثافة تأكيد للإنتماء والوطنية فقط ولكنه كان دعوة لكل مصرى ان نقف جميعا مع مصر العزيزة وهى تتحدى المؤامرات وتعيد الأمن والإستقرار والبناء من أجل مستقبل أفضل.
> وسط كل هذه التحديات يخوض جيش مصر وشرطتها معركة تحرير سيناء من الإرهاب بجانب معركة أخرى فى البناء..وإذا كان هناك من يقف أمام طوابير الإنتخابات ليعطى صوته فهناك من يقدم حياته ودمه فداء وطنه..كلاهما يضحى وكلاهما يحلم بوطن عزيز وكريم.
أيام تاريخية تعيشها مصر ما بين إنتخاب رئيس جديد لفترة رئاسية جديدة وفى الصدارة منها إنجازات ضخمة تحققت فى السنوات الأربع الماضية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى وأيام نواجه فيها تحديات خارجية على كل المستويات وقبل هذا كله هى أيام تستعيد فيها مصر شموخها القديم ومكانتها فى سجل الدول العظيمة.
نقلاً عن الآهرام القاهرية