فى أكثر من مقال وأكثر من مناسبة توقفت عند قضايا الكسب غير المشروع وقلت إنها تأجلت كثيرا وإن الحسم فى مثل هذه القضايا يمثل ضرورة ملحة إذا كان المجتمع يعيش لحظة تاريخية صعبة أمام أعباء ضخمة فرضتها إجراءات الإصلاح الاقتصادى فى تجربة تمثل ضرورة للخروج من هذا المأزق.. وقد تساءلت أكثر من مرة عن آخر التطورات فى قضايا الكسب غير المشروع خاصة أن الدولة قدمت تسهيلات كثيرة للتصالح مع المتورطين فى هذه القضايا وصلت لإسقاط الأحكام القضائية والعفو الشامل لمن يسدد مستحقات الدولة فى أموال الشعب.. وقلت أيضا إن هناك أسماء كبيرة من مسئولين كبار خضعوا للتحقيقات حول أموال كثيرة تم الاعتداء عليها أثناء توليهم المسئولية، وطالبت بمحاكمات سريعة تضمن استعادة أموال الشعب، ويبدو أن الحلم كان بعيداً حتى تحول فى النهاية إلى سراب لأن التهاون فى حساب المتورطين فى نهب أموال الشعب قد شجع على انتشار ظاهرة الرشاوى والسرقة ونهب المال العام كما نرى الآن.. وحول ما كتبت فى هذه القضية وصلنى هذا الرد من المستشار عادل السعيد مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع وانشر الرد كاملا وتبقى لى بعض الملاحظات والتساؤلات حول هذه القضية..
يقول المستشار عادل السعيد فى رده:
< بالإشارة إلى مقالكم المنشور بجريدة الأهرام بتاريخ 1/7/2018 حول الفصل فى طلبات المتهمين لإجراء تسويات مع إدارة الكسب غير المشروع والإعلان عن ما تم بشأن تلك التسويات، وخسارة الدولة نظرا لارتفاع أسعار الدولار، فضلا عن تأجيل الفصل فى تلك الطلبات بسبب إجراء المفاوضات والتسويات والمحاكم، وبداية انوه فى هذا الصدد إلى أن إدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل تؤدى رسالتها فى إطار من الالتزام الدقيق بأحكام القانون، وهو ما يفرض عليها الالتزام بالسرية الكاملة فى شأن كل الشكاوى التى تقدم إلى إدارة الكسب غير المشروع، وما يجرى فى شأنها من فحص وتحقق باعتبارها من الأسرار التى يجب عدم إفشائها عملا بالمادتين رقمى 17و21/2 من قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975، وفى إطار ذلك، وبقدر ما يسمح به الحرص على الشفافية مع الالتزام بالسرية يجرى عقد المؤتمرات الصحفية، والإعلان عن نتائج التسويات وما أسفرت عنه من نتائج عملية تتمثل فى استرداد الدولة لحقوقها بكل شفافية ووضوح..
وتجدر الإشارة إلى أن التصالح فى جرائم الكسب غير المشروع، وجرائم العدوان على المال العام يجرى العمل به إعمالا لأحكام القانون رقم 97 لسنة 2015 الذى صدر بتاريخ 20 أغسطس 2015 والقانون رقم 16 لسنة 2015 الذى جرى العمل به بتاريخ 3 نوفمبر 2015
< يضيف المستشار عادل السعيد: ومنذ ذلك التاريخ، فقد أسفرت جهود إدارة الكسب غير المشروع عن استرداد مبلغ 5684217686 جنيه (خمسة مليارات وستمائة وأربعة وثمانين مليونا ومائتين وسبعة عشر ألفا وستمائة وستة وثمانين جنيها)
وفى مجال التصالح فى جرائم العدوان على المال العام، فقد استردت لجنة الخبراء المختصة بنظر طلبات التصالح والتسوية مبلغ 1022115124 جنيه (مليار واثنين وعشرين مليونا ومائة وخمسة عشر ألفا ومائة وأربعة وعشرين حنيها)
وتتمثل أبرز الانجازات فى هذا الصدد فى رد قطعة ارض مساحتها 229 فدانا تبلغ قيمتها 504794500 جنيه بطريق القطامية – العين السخنة من احد المتهمين للجهة المالكة للأرض، كما سدد المتهم مقابل الانتفاع بالأرض بمبلغ أجمالى 1884950 جنيه خلال عام 2016، كما تم رد قطعة أرض مساحتها 170 فدانا تبلغ قيمتها 374850000 جنيه بطريق القطامية – العين السخنة من أحد المتهمين للجهة المالكة للأرض، وسدد كذلك مقابل الانتفاع بتلك الأرض وقدره 1350000 جنيه وذلك خلال عام 2017، وخلال عام 2018 تم رد «فيلا» كائنة بقرية المعمورة بالساحل الشمالى تبلغ قيمتها مليون جنيه من احد المتهمين للجهة المتصالح معها، بالإضافة إلى ما تقدم، فقد تم التنسيق مع لجنة استرداد أراضى الدولة، بعد أن تم التنازل لصالح الدولة عن قطعة «أرض مبان» مساحتها 360 فدانا فى الكيلو 56 طريق مصر الإسكندرية الصحراوى قيمتها التقديرية 2٫3 مليار جنيه، وجار اتخاذ إجراءات التطوير العقارى لها وبيعها من خلال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والهيئة العامة للخدمات الحكومية.
< وعلى ضوء ما تقدم يكون إجمالى المبالغ التى استردتها الدولة 9006332810 جنيه (تسعة مليارات وستة ملايين وثلاثمائة واثنين وثلاثين الفا وثمانمائة وعشرة جنيهات).
وتجدر الإشارة إلى أن جهود لجنة الخبراء السالفة الذكر قد أسفرت فى آخر اجتماعاتها بتاريخ 2/7/2018 عن الموافقة على عدد 23 طلب تصالح، بلغت جملة المبالغ التى تم سدادها فى إطار الإجراءات المتبعة مبلغ 9884241 جنيها، كما رفضت اللجنة عدد 28 طلب تصالح لعدم استيفاء الشروط القانونية بشأنها، وغنى عن البيان أن الفصل فى طلبات التصالح يقتضى جدية الطالب، وتحديد المبالغ المتصالح فيها، الأمر الذى قد يحتاج إلى ندب لجان خبرة لتحديد المبلغ محل الجريمة، وتقدير عناصر الثروة المقدمة للتصالح، وسلوك السبيل القانونى المؤدى لقبول التصالح أو رفضه وفقا لأسباب ترتبط بكل حالة على حدة دون توان أو تراخ أو تأجيل فى اتخاذ أى قرار فى هذا الشأن..
وإذ نؤكد مجددا على أن إدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل لا تدخر وسعا فى سبيل إعلاء سيادة القانون وتحقيق العدالة الناجزة، وحماية مصالح الوطن والمواطنين، نعبر فى ذات الوقت عن عميق التقدير والشكر لحرصكم الدائم على الإسهام فى الشأن العام بكل إخلاص..
< ومع شكرى العميق للمستشار عادل السعيد على هذا الرد أريد أن أضع بعض النقاط التى قد تحتاج إلى إجراءات أكثر حسما فى قضية العدوان على المال العام بصفة عامة وقضايا الكسب غير المشروع بصفة خاصة بعد أن تراجع الاهتمام بهذه القضية من كل مؤسسات الدولة وأغلق الباب على الكثير منها فى ظروف غامضة ليس هذا مجال الحديث عنها..
< إن مصر عجزت تماما عن الوصول إلى أموال الشعب المهربة فى الخارج مما أتاح الفرصة للهاربين بها أو المقيمين فى إخفاء الحقائق كاملة منذ قيام ثورة يناير وقد شهدت فى أيامها الأولى خروج أموال كثيرة وإخفاء ما كان لديهم فى الخارج ومع مرور الزمن أصبحت مهمة الكشف عن هذه الأموال مهمة صعبة للغاية حتى أصبح من المستحيل كشف هذه الأموال التى تنقلت بين حسابات ودول كثيرة ،أى أن التقصير كان منا ولم يكن من الدول التى توجد بها هذه الأموال..
< إن ما توصلت إليه قدرات جهاز الكسب غير المشروع من الأموال كان ضئيلا جدا أمام حقائق كثيرة لا تخفى على أحد من الأموال الهاربة وكانت هناك تقديرات وصلت إلى أرقام ضخمة ثم هدأ كل شىء.
< إن جهاز الكسب غير المشروع لم يضع ضمن برامجه فى الكشف عن الاعتداء على المال العام ما حدث فى برنامج الخصخصة وبيع القطاع العام والشركات الكبرى التى تخلصت منها الدولة بأسعار هزيلة ومنها شركات الغزل والنسيج والمحالج والنحاس والاتصالات والمراجل البخارية والسلع الغذائية وهى قضايا مازالت معلقة، لأن المسافة بعيدة جدا بين أسعار هذه المؤسسات الحقيقية والأسعار التى بيعت بها وهى قضية تحتاج إلى إعادة بحث وتقييم..
< لا يمكن أبدا إهمال أو التغاضى عن موقف رجال الأعمال فى قضية دعم الحكومة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية وقضايا الإصلاح الاقتصادى وما حدث فى صندوق «تحيا مصر» حيث كان الدعم قليلا جدا ولا يتناسب مع الظروف والتحديات التى تعيشها مصر والأموال الضخمة التى حصل عليها هؤلاء فى سنوات النهب والابتزاز والتحايل..
< هناك ضرورة تفرضها المعركة ضد الفساد من التنسيق بين دور جهاز الكسب غير المشروع والأجهزة الرقابية الأخرى وفى مقدمتها الرقابة الإدارية وما تقوم به الآن من دور بارز فى مواجهة الفساد.. إن الأهم من ذلك هو دعم جهاز الكسب غير المشروع بإمكانيات تجعله اقدر على حسم الكثير من القضايا..
< إذا كانت الدولة قد استردت مساحات من الأراضى حصل عليها كبار المسئولين فمن الخطأ الجسيم أن يقيم سعر الفدان أو المتر بأسعار اليوم، لأن هذا يعنى أن من حصل على المتر من أراضى البناء بقروش هزيلة ويعيدها للدولة بسعر اليوم بآلاف الجنيهات فهذا يعنى ان الدولة لم تحصل على شىء وأن المسئول الذى اعتدى على المال العام قد احتفظ بكل الأموال التى نهبها ولم يمسسه شىء على الإطلاق، كان سعر المتر مائتى جنيه والدولة تحاسبه عليه الآن بعشرة آلاف جنيه هى سعر اليوم..
< تبقى عندى نقطة أخيرة.. إذا كانت هناك قوانين تمنع الإفصاح عن ما يجرى فى قضايا الكسب غير المشروع فإن من حق الشعب أن يتابع ما يجرى فيها، خاصة أن الأمر يتعلق بمسئولين كبار ولا شك أن سرعة الحسم فى هذه القضايا كان من الممكن أن يصل بنا إلى نتائج أفضل فى كل شىء، خاصة أن الاهتمام بهذه القضايا قد تراجع كثيرا على كل المستويات رسميا وإعلاميا وشعبيا..
< هناك ما يشبه التداخل بين اختصاصات الكسب غير المشروع وجهاز استرداد الأراضى وهذا التداخل يمكن أن يفتح أبوابا للتلاعب فى قضايا كبيرة حول التورط فى الاعتداء على المال العام..
شكرا للمستشار عادل السعيد مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع على رده وتعقيبه وأرجو أن يكون مثلا لأجهزة ومؤسسات أخرى فى الدولة لا ترد ولا تستجيب..
..ويبقى الشعر
فى كـُلّ عام ٍ ..
تشْرقينَ على ضِفافِ العُمر ..
تـَنبتُ فى ظلام الكون ِ شَمسٌ
يَحتوينى ألفُ وجْهٍ للقمرْ
فِى كـُلّ عام ٍ ..
تـُشْرقينَ علـَى خَريفِ القلبِ
يَصْدَحُ فِى عُيُونِى صَوْتُ عصفور ٍ..
وَيسْرى فِى دِمائى نـَبضُ أغنيةٍ
وَيغزلُ شَوقـُنا المْجنونُ أوراقَ الشـَّجَرْ
فى كـُلّ عام ٍ ..
تـُشرقينَ فراشة ً بَيْضَاءَ
فوقَ بَرَاعِم الأيَّام
تـَلـْهُو فوْقَ أجنحةِ الزَّهرْ
فِى كلّ عَام ٍ ..
أنتِ فِى قلبى حَنينٌ صَاخبٌ ..
وَدُموعُ قـَلبٍ ذابَ شوْقـًا .. وانـْكـَسرْ
فِى كـُلّ عام ٍ..
أنتِ يَا قدرَى طريقٌ شائكٌ
أمْضى إليْكِ عَلى جَنـَاح الرّيح ِ
يُسْكرُنِى عَبيُركِ ..
ثمَّ يترُكنى وَحِيدًا فى مَتـَاهاتِ السَّفرْ
فِى كـُلّ عام ٍ..
أنتِ فى عُمرى شِتاءُ زوَابع ٍ
وَربيعُ وَصْـل ٍ..
وارتعاشاتٌ .. يدنـْدنـُهَا وَترْ
فِى كـُلّ عام ٍ..
أنتِ يَا قدرى مَواسِمُ فـَرْحةٍ
تـَهْفـُو الطـُّيورُ إلى الجَدَاول ..
تنتشى بالضوءِ أجْفانُ النـَّخيل ٍ
وترتوى بالشَّوقِ أطـْلالُ العُمُرْ
فِى كـُلّ عام ٍ ..
كـَنتُ أنـَتظِر المواسمَ
قد تجىءُ .. وقـَدْ تـُسَافِر بَعدَمَا
تـُلـْقِى فـُؤَادِى للحنِين ..
وللظـُّنِون .. وللضَّجَرْ
فِى كـُلّ عام ٍ..
كـَانَ يَحْمِلنى الحَنِينُ إليْكِ
أغفـُو فِى عُيونِك سَاعة ً
وَتـُطلُّ أشبَاح الوَادع
نـَقـُومُ فى فـَزَع ٍ..
وَفِى صَمْتِ التوحُّدِ نـَنـْشَطِرْ
أنـَتِ الفـُصولُ جَميعُهَا
وَأنـَا الغَريبُ على رُبُوعِكِ ..
أحملُ الأشواقَ بينَ حَقائـِبـِى ..
وَأمامَ بَابكِ أنتظِرْ
أنتِ الزمَانُ جَميعُه
وَأنا المسَافرُ فى فصُول العَام ِ..
تحْملـُنى دُروبُ العِشق ِ..
يَجْذبنى الحنـَين ُ..
فأشـْتـَهى وجَهَ القمرْ
وَأظلُّ أنتظرُ الرَّحيل مَعَ السَّحابِ ..
وَأسْألُ الأيامَ فى شوْق ٍ:
مَتـَى .. يَأتى المطـْر ؟
قدرٌ بأنْ نـَمْضى مع الأيَّام ِ أغْرابًا
نـُطاردُ حُلمَنـَا
وَيضيعُ منـَّا العمْرُ .. يا عُمْرى ..
ونحْنُ .. علىَ سَفرْ
«قصيدة ألف وجه للقمر سنة 1997»
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع