بقلم - فاروق جويدة
عاصمة النور تحترق .. ألسنة النيران ترتفع فى اشهر وأعرق شوارع باريس الجميلة .. مدينة الجن والملائكة كما اطلق عليها أحد عشاقها الكبار عميد الأدب العربى طه حسين.. وكما قال عنها شاعرها العظيم فيكتور هوجوإن باريس عاصمة الكون وبقية الدنيا ضواحيها.. لا توجد مدينة اجتمع المبدعون والكتاب والشعراء على حبها مثل باريس .. إنها فعلا عاصمة الكون .. خرج منذ اسبوعين بعض شبابها يرتدون السترات السفراء واطلقوا على أنفسهم هذا الاسم وبدأت احتجاجاتهم بأرقام بسيطة حتى وصلت يوم السبت إلى ٧٥ ألفا يطوفون أشهر شوارعها الشانزليزيه ويحطمون قواعد قوس النصر أشهر معالم المدينة العتيقة .. فى مظاهرات يوم السبت تم اعتقال ٢٦٣ متظاهرا وأصيب ١٠٠ من المتظاهرين بجانب عدد كبير من رجال الشرطة .. إن أخطر ما شهدته العاصمة الفرنسية هو درجة العنف التى اتسمت بها أعمال التخريب والحرائق ونهب المحال الكبرى وأن الجماعات المحتجة عنيفة جدا كما جاء فى بيان وزارة الداخلية الفرنسية.. والأزمة التى قامت بسببها الاحتجاجات بدأت مع سائقى التاكسى وارتفاع أسعار الوقود بقرار من الحكومة .. الرئيس الفرنسى ماكرون وجه تحذيرا شديد اللهجة وهو يشارك فى مؤتمر العشرين فى الأرجنتين مؤكدا أن ما يحدث فى باريس ليس تعبيرا سلميا عن غضب مشروع وأن جماعات السترات الصفراء تمارس العنف بدرجة كبيرة جدا.. إن الخوف الآن أن تنتقل أعمال العنف إلى مناطق أخرى فى باريس وباقى المدن الفرنسية بل إن الخوف الأكبر أن تنتقل إلى دول الجوار مثل بلجيكا وألمانيا ودول أخرى تعانى أزمات اقتصادية مشابهة مثل اليونان واسبانيا وايطاليا وبقية دول الاتحاد الأوروبى وهى أشد فقرا .. إن الشىء المؤكد أن الاقتصاد العالمي يمر بمحنة عصيبة وأن هناك أزمات خانقة تنتظر دولاً كثيرة فى العام القادم فى مقدمتها الديون ونفقات الحروب التى اشتعلت سنوات وتركت خلفها ملايين المهاجرين والهاربين من اوطانهم.. إنها اعباء فرضتها سياسات خاطئة ومعارك خلفت وراءها ملايين الضحايا والآن جاء وقت الحساب.. حرام أن تحترق مدينة النور.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع