بقيت ايام ويبدأ مؤتمر الشباب اعماله تحت رعاية ومشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى بمدينة شرم الشيخ حيث يجتمع اكثر من ثلاثة آلاف شاب من مختلف القطاعات والألوان الفكرية والسياسية .. ان اهمية هذا المؤتمر تأتى من عدة اسباب اهمها: ان هذا هو اكبر حشد من الشباب يجتمع تحت رعاية الدولة منذ احداث ثورة يناير 2011 وقد شهدت هذه السنوات تحولات كثيرة ومتغيرات حادة بين الشباب والسلطة وسوف يكون هذا المؤتمر فرصة لطرح القضايا التى تهم الشباب بكل الوضوح والشفافية.. وبجانب هذا فإن الدولة فيما يبدو حريصة على استعادة جسورها مع الأجيال الجديدة بعد فترة جفاء طالت شاركت فيها عناصر كثيرة ابتداء بتآمر البعض وانتهاء بشطط إعلامى مخيف لعب فى رءوس الشباب وكان سببا فى ابتعادهم عن العمل السياسى بكل توابعه واشكاله .. وقبل هذا كله فمازالت هناك ازمات كثيرة تحاصر الشباب وقد يكون هذا التجمع الكبير بداية لإيجاد حلول مناسبة لما يعانى منه الشباب فى ظل ظروف اقتصادية صعبة اصابت الشباب باليأس والإحباط وقد جاء الوقت لكى نواجه الواقع بكل الشفافية والمصداقية ..
ان هذا المؤتمر يمثل فرصة تاريخية لنسمع شبابنا قبل ان نلقى عليه المواعظ.
- عندى خمس قضايا قد يكون من المناسب طرح بعضها او طرحها جميعا فى مناقشات هذا المؤتمر وينبغى التركيز فى هذه المناقشات على اصوات الشباب لأن الدولة يجب ان تسمع لشبابها ولا يعقل ان تبقى كل هذه المسافات حائلا دون استغلال قدرات الشباب والمشاركة فى بناء المستقبل.
اولا : لا اتصور ان يكون الشباب بعيدا عن المسئولية ونحن نناقش الموقف الإقتصادى بكل ازماته وتعقيداته وتوابعه .. ان القرار من اصحاب القرار فى السلطة ولكن هناك جوانب لابد ان تقوم على المشاركة ولا يعقل ان نضع 60 مليون شاب فى ثلاجة التوقع والانتظار امام سياسات سوف يدفع ثمنها من عمره وشبابه ومستقبله .. لابد ان تكون هناك شفافية ومصداقية فى توضيح جوانب الصورة وهذا يتطلب من الحكومة ان تقدم كشف حساب لشباب هذا الوطن عن توقعاتها فى مواجهة الأزمة الاقتصادية .. كيف لا تتحدث عن ديون تجاوزت 5¸2 ترليون جنيه سوف تقوم الأجيال القادمة بسدادها .. كيف لا نتناول مستقبل الإنتاج امام شعب لا يعمل واكتفى بالعقارات والمبانى وتجارة الأراضى .. كيف لا نناقش قضية الأسعار وحالة الجشع التى اصابت التجار والمغامرين واستباحوا دم الشعب من اجل تحقيق ارباح مذهلة .. كيف لا يناقش المؤتمر ازمة الشباب مع البطالة وهى تهدد مصير كل شاب يبحث عن المستقبل .. نحن امام حكومة توقفت تماما عن فتح فرص العمل فى مؤسساتها المكتظة بستة ملايين موظف فى الجهاز الإدارى للدولة .. وامامنا قطاع خاص من رجال الأعمال لم يقتنع بعد بأنه صاحب مسئولية فى إعادة بناء الدولة المصرية وهناك ملايين الشباب من خريجى الجامعات والمعاهد المتوسطة غير مؤهلين اداريا وفنيا لملاحقة العصر كيف نعيد تأهيلهم ليكونوا شركاء فى بناء الوطن .. ان البطالة هى اخطر ما يهدد الشباب المصرى الأن وكل شاب نوفر له فرصة عمل او انتاج او رزق هو لغم ننتزعه من صحراء هذا الوطن
ثانيا : لا اتصور ان يبقى هذا الجزء العزيز من الوطن وهم الشباب بعيدا عن المشاركة السياسية ونحن نعرف اسباب ذلك ان هذا الشباب الذى انطلق فى ثورة يناير مطالبا بالتغيير من اجل العيش والحرية والكرامة وجد نفسه بعد ان انفض المزاد وقد وقع فى خديعة كبرى من كل فصائل المجتمع التى سرقت ثورته وسخرت من احلامه فى المشاركة والمستقبل.. هذا الشباب وجد نفسه محاطا بحشود من الإخوان والفلول ولصوص الفرص وانقضوا على ثورته وتركوها اشلاء ممزقة فى الميادين .. وامام هجوم ضار من الإعلام على الشباب والثورة وامام تسجيلات مغرضة وجد هؤلاء انفسهم محاصرين بالكراهية والرفض والتشويه بعد ان حملتهم الرءوس يوما فى مشهد تاريخى اقرب للإعجاز.. هل جاء الوقت لنفتح صفحة جديدة مع هؤلاء الشباب بأن نرد لهم اعتبارهم فلم يكونوا عملاء او مأجورين بل هم شباب نقى خرج مطالبا بالحرية امام منظومة طالت من الاستبداد والقهر والتبعية .. هل يمكن ان تحتضن الدولة شبابها وتفتح لهم آفاق المشاركة السياسية بوعى وانتماء.. هل يمكن ان تعلن الدولة فى هذا المؤتمر عن فتح باب إنشاء الأحزاب السياسية امام الشباب الراغبين فى ذلك بعيدا عن اموال رجال الأعمال المشبوهة واحزابهم الغامضة ..
ان الدولة تستطيع ان تأخذ بيد شبابها وتشجع مبادراتهم من اجل مناخ سياسى مستنير .. على جانب آخر لابد ان تبدأ الدولة مشوارها لتصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التى روجتها الجماعات الدينية حين خلطت الدين بالسياسة وان يدرك الشباب انهم ابناء وطن قام على الحب والتسامح واتباع دين قام على احترام العقائد والأديان وان الوطن يتسع لنا جميعا بقدر ما نشارك فى بنائه ورفعته ..
لقد سحبت الدولة يدها من الشباب بعد ثورة يناير وجاء الوقت لكى تقام احزاب جديدة تحمى هؤلاء الشباب من الشطط والمغامرة .. وهنا ايضا لابد ان تعود الأحزاب القديمة مثل الوفد والتجمع الى دورها القديم فى رعاية الشباب وحمايتهم من كل فكر ضال.
ثالثا : امام الشباب ثلاثية متداخلة لا يمكن الفصل بينها وهى الأزمة الثقافية وازمة التعليم والخطاب الدينى.. وللأسف الشديد ان الشباب هم ضحايا الأزمات الثلاث .. ان التعليم الذى خرجت منه الملايين ابعد ما يكون عن روح العصر بكل متطلباته تقدما واستنارة وابداعا.. والأزمة الثقافية التى نعيشها تجسدت فى فكر متخلف ورؤى ضيقة .. وعلى الجانب الآخر وقفت قضايا الخطاب الدينى وما يدور حولها من صراعات.. ان التعليم يستحق اهتماما اكبر والثقافة تحتاج انفتاحا اكثر والخطاب الدينى لابد ان ينطلق من منظور ثقافى واع وتعليم متطور ومحاولات جادة للخروج من هيمنة الجماعات المتطرفة التى سيطرت على عقول شبابنا زمنا طويلا .. ان بعض كليات التعليم الجامعى كانت معامل لتفريخ التطرف الدينى كما ان ثقافة المهرجانات وصلت بنا الى طريق مسدود وبقى الخطاب الدينى جامدا متجمدا امام التشدد ودعاة التطرف وخلط الدين بالسياسة. ان المؤتمر يستطيع ان يضع تصورا عصريا لقضايا الثقافة والتعليم والخطاب الدينى الرشيد من خلال رؤى متفتحة تحرص على الثوابت وتسعى الى تأصيل الفكر المستنير.
رابعا : هناك قضية على درجة من الحساسية ليت هذا المؤتمر يعرضها للحوار وهى قضية الأمن والشباب خاصة ان العلاقة بين اجهزة الأمن والشباب تحتاج الى قدر من المراجعة .. ان الأمن يقوم بدور كبير فى حماية الوطن والشباب المصرى يقدر هذا الدور ويعى مسئولياته ولكن هذا لا ينبغى ان ينسينا مئات من الشباب خلف القضبان منهم من لا يعرف اسباب وجوده ومنهم من دخل السجون تحت شعار الحبس الإحتياطى وكم كنت اتمنى لو ان هذا المؤتمر شهد الإفراج عن اعداد من هؤلاء الشباب وان نسمع منهم حتى تكون الحقيقة كاملة واضحة امام اعيننا .
ان الحلول الأمنية لا ينبغى ان تكون آخر المطاف امام شباب يواجه محنة البطالة والفقر والحاجة ولابد من البحث عن بدائل اكثر إنسانية.
خامسا : ينبغى ان يتوقف هذا المؤتمر وهو يناقش قضايا الشباب عند قضية الإنتماء وهجرة الشباب وحالة الإنقسام التى اصابت الملايين منهم ما بين الرفض والهروب .. يجب ان يستعيد شبابنا روح الإنتماء ولن يكون ذلك بالأغانى الوطنية الساذجة او الشعارات الرنانة ولكن هذا يحتاج الى فتح ابواب المشاركة والعمل والإبداع لأن الشباب هو رصيد المستقبل وثروة الحاضر التى ينبغى ان نحرص عليها ..
ان هذا يحتاج الى إعادة النظر فى مناهج التعليم وبرامج الثقافة وما يقدمه الإعلام من تفاهات ساذجة.
اننى اتمنى ان يكون هذا المؤتمر بداية صفحة جديدة نراجع فيها اخطاءنا ويراجع الشباب مواقفهم وان يكون الحوار طريقنا نحو فهم اوسع ومشاركة حقيقية.
..ويبقى الشعر
عودُوا إلى مصْر ماءُ النـِّيل يكفينـَا
منذ ارتحلتمْ وحزنُ النهْر يُدْمينــــا
أيْن النخيلُ التى كانتْ تظللـَنــــــــا
ويرْتمى غصْنـُها شوقـًا ويسقينـَا ؟
أين الطيورٌ التى كانتْ تعانقـُنــــــا
وينتشى صوْتـُها عشقـَا وَيشجينا؟
أين الرُّبوعُ التى ضمَّتْ مواجعَنـَـا
وأرقتْ عيْنها سُهْدًا لتحْمينـــَــــا ؟
أين المياهُ التى كانتْ تسامرُنــــَــا
كالخمْر تسْرى فتـُشْجينا أغانينـَا ؟
أينَ المواويلُ ؟..كم كانتْ تشاطرُنـَا
حُزنَ الليالـى وفى دفْءٍ تواسينـَـــا
أين الزمـــــــانُ الذى عشْناه أغنية
فعانــقَ الدهـْــرُ فى ودٍّ أمانينـــَـــــا
هلْ هانتِ الأرضُ أم هانتْ عزائمنـَا
أم أصبـحَ الحلمُ أكفانـًا تغطـِّينــــــــَا
جئنا لليلـــــــى .. وقلنا إنَّ فى يدهَا
سرَّ الحيَاة فدسَّتْ سمَّهــــــــا فينـــَا
فى حضْن ليلى رأينا المْوت يسكنـُنـَا
ما أتعسَ العُمْرَ .. كيف الموتُ يُحْيينا
كلُّ الجراح التى أدمتْ جوانحَنـــــَــا
وَمزقتْ شمْـلنـــا كانتْ بأيدينــــــــــَـا
عودوا إلى مصْر فالطوفانُ يتبعكـُــمْ
وَصرخة ُ الغدْر نارٌ فى مآقينـــــــَــا
منذ اتجهْنا إلى الدُّولار نعبــــُــــــدُهُ
ضاقتْ بنا الأرضُ واســودتْ ليالينــَا
لن ينبتَ النفط ُ أشجارًا تظللنـــــــَـا
ولن تصيرَ حقولُ القار .. ياسْمينــَا
عودوا إلى مصْرَ فالدولارُ ضيَّعنــَا
إن شاء يُضحكـُنا .. إن شــاءَ يبكينـَـا
فى رحلةِ العمْر بعضُ النـَّار يحْرقنا
وبعضُهَا فى ظلام العُمْر يهْدينـــــــَا
يومًا بنيتمْ من الأمجَـــــــاد مُعجزة ً
فكيفَ صارَ الزَّمانُ الخصْبُ..عنينا؟
فى موْكبِ المجْد ماضينا يطاردنـــَا
مهْما نجافيهِ أبى أن يجَافينــــــــــَـا
ركبُ الليالى مَضَى منـــــــا بلا عَدَدِ
لم يبق منه سوى وهم يمنينـــــــــَا
عارٌ علينا إذا كانتْ سواعدُنـــــــــَا
قد مسَّها اليأسُ فلنقطـعْ أيادينــــــَا
يا عاشقَ الأرْض كيفَ النيل تهجُرهُ ؟
لا شىءَ والله غيرُ النيل يغنينـــَـا..
أعطاكَ عُمْرا جميلا ًعشتَ تذكـــرهُ
حتى أتى النفط بالدُّولار يغـْرينـــــَا
عودوا إلى مصْرَ..غوصُوا فى شواطئهَا
فالنيلُ أولى بنا نـُعطيه .. يُعْطينــَـا
فكسْرة ُ الخـُــبْـز بالإخلاص تشبعُنـا
وَقطـْرة ُ الماءِ بالإيمَــــان ترْوينـَـا
عُودُوا إلى النـِّيل عُودُوا كىْ نطهِّـرَهُ
إنْ نقتسِمْ خـُبزهُ بالعدْل .. يكـْفيــنـَا
عُودوا إلى مِصْرَ صَدْرُ الأمِّ يعــرفـُنــــــا
مَهْمَا هَجَرناهٌ.. فى شوْق ٍ يلاقينــَــا
قصيدة «عودوا الى مصر» سنة 1997