بقلم : فاروق جويدة
لم يكن الأستاذ هيكل كاتبا أو صديقا أو مفكرا جاء إلى حياتنا وقضى بعض الوقت ثم مضى..ولم يكن إنسانا عاديا عاش مثل كل البشر سنوات عمره التى كتبها الله له ثم رحل..ولم يكن زائرا عشنا معه أجمل سنوات عمرنا.. كان الأستاذ هيكل صاحب بصمات فى كل شئ فى حياتنا..أحببناه واختلفنا معه وأحبنا وكان دائما يضئ لنا الطريق فى أوقات عصيبة حين اشتدت بيننا المحن واختلت موازين الأشياء..اعترف اننى افتقد الأستاذ هيكل فى أشياء كثيرة افتقد حكمته حين يقدم النصيحة..وافتقد فكره كلما ضاقت بنا السبل وافتقد رجاحة عقله وهو يعيش سنوات شبابه وهو يصافح سنوات الخريف..لم يتغير الأستاذ فى كل هذه الأشياء.. كثيرا ما كنت أذهب إليه التمس النصيحة فأجد عنده الملاذ..وفى هذه الأيام كلما تزاحمت الرؤى وعصفت بنا رياح اليأس نسأل عن هذا الحكيم الذى كنا نجد لديه ما يجدد أحلامنا ويجعلنا أكثر صلابة فى زحام البشر والأشياء..لقد وجدت الأستاذ هيكل فى كثير من المواقف الصعبة التى عشتها ما بين القرار والتردد وما بين الحيرة واليقين..ورأيته بجانبى حين غاب الكثيرون وفى القرارات الصعبة ما بين الحلم والواقع وجدت لديه الحكمة فى أن يقول ما يراه حتى لو كان هو الاختيار الأصعب.. لقد رحل الأستاذ وبقى له رصيد كبير لدى تلاميذه ومحبيه وفى أوقات كثيرة وأزمات حادة كنا نبحث عنه..افتقدنا حسه التاريخى الرهيب وهو يغوص بنا ومعنا فى سراديب الأمس البعيد والقريب..افتقدنا رؤاه وتحليلاته وكنا دائما نحب أن نسمعه حتى وإن اختلفنا معه..افتقدنا قراءته الفريدة للأحداث والبشر وهو يتنقل بنا مثل الطبيب يكشف أمراضنا ويقدم النصائح للجميع سمعوا أو لم يسمعوا..افتقدنا يقظة فكره وهو يطوف فى خريف أيامه ويشعرك وهو يحلل الأشياء والمواقف أو يقرأ ما يحفظ من الشعر انك أمام هيكل بكل سنوات طموحه ووهجه وحكمته..فى أشياء كثيرة نشعر بغياب الأستاذ فقد كان ركنا من أركان الأمان فى هذا الوطن..وقد ترك لنا رصيدا لن يضيع..ومازال هو بروحه وفكره يحلق بيننا.. أمثال هيكل لا يغيبون.