نحن الآن على أبواب ميزانية جديدة, وقد استطاعت حكومة المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء أن تزلزل بقوة ميزانية البيت المصرى ولا توجد الأن اسرة فى مصر لم تدخل مزادات الحكومة فى رفع أسعار كل شئ بنسب كبيرة فيها الكثير من المبالغات .. وإذا كانت الحكومة قد فعلت بنا ما أرادت وحققت كل أهدافها فمن حقنا أن نتساءل عن مصير كل هذه الإجراءات ليس بدافع المحاسبة ولكن بدافع الحق والعدالة ..
لابد أن تعترف الحكومة أنها ضربت فى العمق الواقع الإجتماعى المصرى بالقرارات الإقتصادية التى طالت كل فئات المجتمع بل إنها اجهضت تماما ما كان يسمى بالطبقة المتوسطة التى هبطت الأن ومنها من وصل الى القاع ولا أدرى أين اساتذة الإجتماع فى مصر من كل الكوارث الإجتماعية التى شهدها المجتمع المصرى امام إجراءات اقتصادية شديدة العنف والقسوة حركت بل غيرت الواقع الإجتماعى المصرى خلال فترة زمنية قصيرة للغاية .. من كان راتبه عشرة آلاف جنيه كان يعتبر من المحظوظين ماذا يفعل بها الآن وهو يدفع 2000 جنيه كهرباء و1000 جنيه بنزين و5000 جنيه للمدرسة ومثلها للدروس الخصوصية هذا إذا وضعنا معها ثمن الخضار والفاكهة والأدوية والمستشفيات والغاز, أن مثل هذا المواطن هبط به السلم الإجتماعى حتى وصل الى القاع فما بالك ما حدث لسكان القاع اصحاب الألف جنيه والأقل ..لا احد يدرى كم نسبة الإرتفاع فى عدد الفقراء فى مصر بعد القرارات الإقتصادية الأخيرة وما قبلها خاصة ان التقديرات تضعها بين 27 و40 %..
> لقد انسحقت تماما الطبقة المتوسطة أمام غول الأسعار الحكومى والشعبى فلم يكن الشعب أكثر رحمة من حكومته وهو يبيع كيلو البامية والبصل بـ 25 جنيها والبطيخة بـ 50 جنيها .. إننى ألوم اساتذة الإجتماع الذين تركوا الإصلاحات الإقتصادية تدفع بالمجتمع المصرى كله الى حالة من الخلل الإجتماعى الرهيب فى تركيبته الطبقية ومكوناته الأساسية وظروفه الصعبة التى جعلته يعيش اصعب فترات حياته أمام الإرتفاع الرهيب فى الأسعار والخدمات, وإذا كانت الحكومة قد فعلت ما أرادت فإن أمامى بعض التساؤلات المشروعة وجميعها تدخل فى نطاق الموارد والنفقات .. فإذا كانت الحكومة قد دمرت ميزانية الأسرة المصرية لتحصل على أكبر كم من الأموال فإن علينا ان نسألها وأين أنفقت كل هذه الأموال.. هناك طفرة غريبة فى حديث الأموال فى مصر ان الحكومة لم تعد تذكر رقم المليون او المائة مليون ان الرقم الوحيد المستعمل هو المليار ولم يعد المواطن يذكر رقم المائة جنيه بعد ان سقطت العشرة والعشرين انه رقم الألف ولا يشترى شيئا هنا اسأل عن عدد من مصادر الأموال التى جمعتها الحكومة وقد مضى على إقرار وبدأ الميزانية الجديدة عدة أيام :
اولا : من حقنا ان نعرف حصيلة الزيادات فى الأسعار التى قررتها الحكومة دون ان تعرض على مجلس الشعب وهى مخالفة دستورية .. كم الحصيلة فى الكهرباء والبنزين والمازوت والغاز والسجاير وكل مصادر الطاقة والأدوية والمستشفيات والجمارك والسلع المستوردة والمواصلات والتكاتك
ثانيا : من حقنا ان نعرف كم حققت الحكومة من الأرباح من رفع سعر الدولار قد تدعى ان هذا القرار لم يحقق لها شيئا ولكن ماذا عن ارتفاع حجم الإحتياطى لدى البنك المركزى وماذا تحقق من الزيادة الكبيرة فى اسعار الفائدة على الودائع وارباح البنوك ..
ثالثا : ماذا فعلنا بالأرقام الخيالية فى القروض واين وفى اى المجالات تم استخدامها خاصة انها بلغت 3٫7 ترليون جنيه و70 مليار دولار .. وهل قامت مؤسسات الدولة بتوظيف هذه القروض ام بقيت توقيعات على اتفاقيات لم تنفذ ..
رابعا : كم حققت وزارة الإسكان من مزادات وصفقات بيع اراضى الدولة وكم حصلت وزارة الزراعة من الأموال فى حملات استعادة اراضى الدولة ونحن نشهد كل يوم مزادا جديدا تباع فيه مساحات ضخمة من الأراضى العقارية والزراعية والمشروعات الإستثمارية
خامسا : ما هو حجم الإنفاق الحكومى من كل هذه الأموال التى دخلت موازنة الدولة ..
ان الشئ المؤكد أننا أمام ارقام ضخمة من الدخل سواء كانت اعباء على المواطنين او قروضا خارجية أو داخلية أو قرارات اقتصادية خطيرة مثل تخفيض سعر صرف الجنيه امام الدولار لقد خسر ملايين المصريين ملايين الجنيهات امام انخفاض سعر الجنيه وإذا كان المواطن يملك مائة مليون جنيه فقد هبطت الى النصف لأن المليون جنيه كان 150 الف دولار والأن أكثر قليلا من 50 الف دولار ..
إن الدولة توسعت كثيرا فى سياسة بيع الأراضى سواء العقارات أو الأراضى الزراعية وشهدت مصر عشرات المزادات فى ذلك ..
ان الشئ الغريب انه رغم كل هذه الحصيلة من الأموال التى جمعتها الحكومة من مصادر عدة بقى بند الإستثمار الأجنبى محدودا للغاية ولم يتجاوز اربعة مليارات دولار وهذا رقم بسيط جدا أمام حكومة تسعى لتشجيع الإستثمار الخارجى ..
هناك بنود غابت عن موارد الميزانية وهى متأخرات الضرائب وما تحمله اثرياء مصر فى برنامج الإصلاح الإقتصادى
لقد نجحت الحكومة فى جمع أرقام ضخمة سواء من زيادة الأسعار او تشجيع الإدخار برفع سعر الفائدة وقد تجاوزت ودائع البنوك المصرية مبلغ 3 ترليونا جنيه إلا أن القضية ليست فى جمع الأموال ولكن فى مدى استثمارها هذا بخلاف اذون الخزانة سواء كانت بالجنيه المصرى أو العملات الاجنبية ..
> إننا لا نعلم شيئا عن استخدامات الودائع المصرفية فى البنوك وهل هى أموال مكدسة أم مشروعات وانتاج وعمالة .. إذا بقيت الودائع فى البنوك بلا استخدام فهى خطر كبير لأن مسئولية البنوك ليس تخزين الأموال ولكن من أهم مسئولياتها تشجيع الإنتاج وفتح فرص للعمل ومواجهة البطالة خاصة ان البنوك الأن تدفع فوائد كبيرة فى شهادات الإستثمار ..
لقد تحدث الرئيس السيسى فى اكثر من مناسبة وأشاد بموقف الشعب المصرى ودرجة تحمله للقرارات الإقتصادية الصعبة والقاسية ولا أعتقد أنه كان من الممكن ان يغامر مسئول اخر فى ازمنة مضت ويتحمل مثل هذه القرارات ولا ينبغى ان تفهم الحكومة أن موقف الشعب من هذه القرارات يمكن ان يمنعه من ان يطالبها بقدر من الوضوح والصراحة والشفافية أن تحدد مواقع الإنفاق الحكومى والخدمى والإنشائى وأين ذهبت كل هذه الأموال؟.
إذا كان الرئيس يقدر موقف الشعب فإن الشعب يقدر أيضا ما جرى من إنجازات ملموسة وأن أمواله لم تضع هباء فى سراديب الإنفاق الحكومى وعلى الحكومة ان تثبت ذلك للشعب وللرئيس
> نحن أمام كتلة مالية ضخمة دخلت سراديب الجهاز الحكومى بكل مؤسساته ولو أننا جمعنا هذه الأرقام فسوف نكتشف أنها لم تدخل يوما من الأيام وبهذا الحجم فى نطاق ميزانية الدولة المصرية .. ان هذا يعنى ان الحكومة مطالبة بأن تعلن للشعب فى اى المجالات اتجهت هذه الأموال.. اين حصيلة اسعار الخدمات من الكهرباء الى الغاز الى البنزين .. واين حصيلة القروض التى حصلت عليها مصر سواء من صندوق النقد الدولى او المؤسسات البنكية العالمية او حتى قروض الحكومة من البنوك المصرية وهى فيما يبدو ارقام كبيرة .. هناك أيضا مزادات بيع اراضى الدولة سواء كانت للإسكان او الزراعة او المشروعات الإستثمارية والشئ المؤكد ان الدولة باعت مساحات ضخمة سواء فى مشروعات بيت الوطن أو المدن الجديدة أو المناطق الزراعية يضاف لذلك المبالغ التى حصلتها لجنة استرداد أراضى الدولة برئاسة المهندس ابراهيم محلب.
> بقيت عندى نقطة اخيرة تحتاج الى دراسة اعمق من الحكومة وهو قرارات طرح بعض شركات قطاع الأعمال فى البورصة ومنها شركات البترول والبنوك كما اعلنت الحكومة اخيرا وهذه القرارات لابد ان تدرس بجدية خاصة ان لنا تجارب سابقة مع الخصخصة وبيع القطاع العام كانت لها نتائج سيئة ابتداء بتحويلها الى عقارات ومبانى وانتهاء بتسريح العمال فيها وزيادة طوابير البطالة ..
إذا كانت الحكومة تفكر فى طرح هذه المشروعات فى البورصة فلابد ان تضع من الضمانات ما يؤكد الشفافية فى عمليات الطرح خاصة بالنسبة للشركات الناجحة وفى زمان مضى كانت هدايا الأسهم توزع على كبار المسئولين فى السر قبل ان تطرح رسميا فى البورصة ..
فى زمان مضى كانت الشركات الناجحة تطرح للبيع وبقيت الشركات الخاسرة تمثل عبئا ثقيلا على الإقتصاد المصرى ويبدو اننا نرتكب نفس الأخطاء للمرة الثانية حيث نعرض شركات البترول وهى مؤسسات واعدة امام الإحتمالات الطيبة فى حقول غاز المتوسط التى بدأت بشائرها تطل علينا وكلنا يتمنى ان تكون من نصيب الشعب ..
هذه بعض التساؤلات التى اجد من الضرورى ان تجيب عنها الحكومة خاصة اننا امام ارقام ضخمة وقرارات سريعة وسياسات لم تناقش على اى مستوى بعيدا عن سلطة القرار فلا اقل من ان تكون الحكومة واضحة امام مواطنيها
والأن من واجب الحكومة ان تشرح الموقف كاملا للشعب حول ما جمعت من الأموال وما انفقت منها واين كان الإنفاق.
لقد تحمل الشعب القرارات بشهامة اشاد بها الرئيس وعلى الحكومة ان تكون على نفس الدرجة من الشفافية والأمانة.
المصدر : صحيفة الأهرام