بقلم-فاروق جويدة
كلنا يتذكر قصة شكوى الفلاح الفصيح فى تراثنا الفرعونى وهى تؤكد أن الذكاء الفطرى لدى الفلاح يتجاوز كل مظاهر الإهمال والتهميش..إذا كانت الحكومة قد رفعت أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وتركت أكياس القطن الملون وغير الملون تحت سيول المطر وحرمت زراعة الأرز وهو طعام الفلاح المصرى، وأخذت منه المحاصيل الزراعية بأسعار زهيدة فأن هذا الفلاح فى محافظات كثيرة لم يعد يزرع الأرض وفضل أن يعمل أجيراً لدى ملاك الأراضى وقد وصلت يومية العامل فى الريف المصرى الآن إلى مائة جنيه يوميا وتوقف الفلاح عن تربية الدواجن والخبز والبيض والسمن واختار أن يذهب كل يوم إلى البندر لكى يشترى العيش من الأفران والطعمية والفول، ونسى طعامه القديم من البيض البلدى والزبدة ورضى بفراخ الجمعية المستوردة ولم يعد يفكر فى إنتاج القمح أو القطن والبصل والثوم والخضار لأنه وجد الثوم الصينى والسمن الصناعى والفراخ المضروبة..عاد الفلاح المصرى مستهلكا مثل أهل المدن واكتفى بمائة جنيه ينفقها كل يوم على الطعام وما بقى منها لزوم الشاى والدخان..ووسط هذه المواجهة الصامتة بين الفلاح وأعباء الحياة وجد أن الأولاد عزوة وانه إذا أنجب خمسة أبناء فهذا يعنى انه استثمار ناجح لأن من تخرجوا من الجامعات جلسوا فى البيوت بلا عمل وان الأطفال الصغار يمكن أن يحصل كل واحد منهم على مائة جنيه يوميا، وأن خمسة أبناء يحصلون على خمسمائة جنيه وأنقذ نفسه من مطالب وأعباء الحكومة ونسى أن يكون من هؤلاء الأبناء القاضى أو المهندس أو الطبيب كما كان يحدث ذات يوم..وهنا كانت الأزمة التى فشلت جميع مؤسسات الدولة فى إيجاد حل لها وهى الزيادة السكانية، ولكن الفلاح المصرى وجد حلا لمشكلاته الخاصة ترك الأرض وربما باعها..وفضل ان يكون أجيرا عند أصحاب الأراضى وأنجب للحكومة خمسة أبناء بلا تعليم لأن الذين تعلموا لم يجدوا عملا وجلسوا على المصاطب..وبقيت كارثة الزيادة السكانية تهدد كل شىء رغم أنها بدأت فى الأسرة الريفية البسيطة التى لم تجد التعليم المناسب وفرصة العمل الحقيقية وعاد الفلاح إلى عصور قديمة حين قدم شكوى الفلاح الفصيح إلى فرعون مصر..
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع