توقيت القاهرة المحلي 15:20:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخطاب الدينى .. والوقت الضائع

  مصر اليوم -

الخطاب الدينى  والوقت الضائع

بقلم : فاروق جويدة

أكثر من ثلاث سنوات مضت منذ طرح الرئيس عبد الفتاح السيسى قضية إصلاح الخطاب الدينى كان الهدف ان نصل الى صيغة بيننا من خلال الحوار وتبادل الرؤى عن الوسائل التى يمكن من خلالها ان نصل الى خطاب دينى وسطى متوازن يحفظ الثوابت ولا يفتح ابوابا للشطط ومغامرات الفكر والاستخفاف بعقائد الآخرين .. كان الهدف ان نفهم ديننا بوعى وإيمان وتجرد لأن أعظم ما فى الإسلام سماحته .. كان الهدف من الدعوة الا يتحول الدين الى سيف مسلط على رقاب الخلق، وان تكون الرحمة هى طريقنا الى الله .. منذ تسللت السياسة الى ساحة الأديان افسدنا الاثنين معا وتحول الصراع الى دماء وإرهاب وقتل كانت هذه هى الجوانب التى قامت عليها الدعوة لتقديم خطاب دينى رشيد ومستنير وعاقل وان تبقى للدين قدسيته وتبقى للسياسة اساليبها التى لا نختلف عليها كثيرا لأنها واضحة فى كل شئ ..

مرت ثلاث سنوات ومازالت حلقات الصراع بين القوى السياسية والثقافية والدينية ومازالت الاتهامات ومحاولة التصفيات وإلقاء التهم وكل فريق يبحث عن طريقة للتخلص من الآخرين .. كان غريبا ان يحدث ذلك رغم ان القضية لا تحتمل كل هذا الجدل إذا لجأنا الى مصادرها الحقيقية من العلماء الأجلاء والمثقفين الأنقياء وكل صاحب فكر يدرك غاية الأديان وسعيها الدائم لإسعاد البشر ..

فى الفترة الماضية لابد ان نعترف ان الساحة شهدت الكثير من التناقض والرفض بل والاتهامات فى صفوف القوى الدينية والثقافية والفكرية وكان للأمن نصيب فى ذلك كله حين حدثت تجاوزات وصلت الى اعمال إرهابية.

< كان الخطأ الأول ان الجميع القى المسئولية على الأزهر الشريف كمؤسسة دينية وفكرية رأى البعض انها شجعت التطرف وتخرج منها الالاف الذين يؤمنون بالعنف حتى وصل الاتهام الى الإرهاب .. كان من الصعب ان تلقى المسئولية كاملة على الأزهر لأن نظام التعليم فى مصر تجاهل تماما لسنوات طويلة قضايا الوعى والاستنارة والحوار مع الآخر والمعنى الحقيقى للمواطنة .. لم يكن من العدل ان يتحمل الأزهر ما اصاب العقل المصرى من تشوهات الفكر والسلوك لأن الأمر لم يكن قاصرا على جماعات دينية استخدمت الدين وسيلة للعبث السياسى ولكن غياب العمل السياسى فى انشطته المشروعة فتح ابوابا امام تيارات وجماعات غامضة وقد شجع الواقع السياسى هذه الجماعات، ومنحها فرصا فريدة فى المشاركة السياسية على طريقتها واساليبها.

< لم تكن الأزمة فى اساليب التعليم فى الأزهر والجامعات فقط ولكن الواقع الثقافى المصرى وقد حمل امراضا كثيرة كان شريكا اساسيا فى تشويه العقل المصرى .. ان الثقافة المصرية فى سنوات التجريف فتحت ابوابا واسعة لأصحاب المصالح من المثقفين بل انها احتكرت فى اوقات كثيرة الثقافة المصرية وفرضت عليها نوعا من الوصاية لقد شهدت مصر طوال السنوات الماضية نوعا من الإنقسامات التى فرضتها المواقف السياسية، وتلاعبت الحكومات المتعاقبة بالصراع بين القوى الثقافية، سواء كانت دينية ام مدنية فكانت من حظ اليسار حينا ثم من حظ التيارات الدينية فى حين آخر وبقيت هذه اللعبة هى التى تحرك الواقع الثقافى المصرى وتفرض عليه شروطها ..

حين بدأ الحديث عن إصلاح الخطاب الدينى انفجرت هذه الصراعات، سواء كانت علنية او سرية لكن الشئ المؤكد ان كل فريق كان رافضا للآخر بحكم عداوات وخلافات وصراعات قديمة .. كانت قواعد اللعبة فى الساحة الثقافية والفكرية وحتى الدينية انت لست معى فأنت ضدى.. وكان هذا المنطلق الخاطئ سببا فى شيوع اجواء من الرفض والكراهية بين ابناء النخبة المصرية ايا كانت نوعية الفكر الذى تدين به.. كان الحديث عن الخطاب الدينى فرصة لكشف كل هذه الأمراض وبدأ الصراع بتشويه صورة الأزهر تاريخا ودورا ورموزا، ثم كانت المطالبة بتغيير كل ثوابت هذه المؤسسة من خلال مشروعات قوانين امام البرلمان او حملات إعلامية ضارية فى هجومها على الإمام الأكبر د. احمد الطيب شيخ الجامع الأزهر .

ضاع الهدف من قضية هامة وخطيرة امام صراعات قديمة جددت اساليبها وكل فريق يرى انها فرصة للحصول على مكاسب اكبر .

< ربما كانت قضية الخطاب الدينى هى اهم القضايا الثقافية والفكرية والأمنية التى طرحها الرئيس السيسى على مؤسسات الدولة عندما تولى السلطة وهناك اسباب كثيرة وضعت هذه القضية فى اولويات سلطة القرار اهمها انها تمثل الجانب الأخطر فى قضية الإرهاب وما دفعته مصر من ثمن امام هذه الكارثة .. على جانب آخر فإن بناء الدولة الحديثة يتطلب ان يكون الشعب اكثر وعيا وادراكا لمسئوليات العصر .. وقبل هذا كله فإن الدين احد العناصر الأساسية فى مكونات الشعب المصرى، ولكن الأزمة الحقيقية اننا نطرح قضية على درجة كبيرة من الخطورة والحساسية امام مجتمع فيه ما يقرب من 30% لا يقرأون ولا يكتبون ولهذا تحولت الى صراع بين قوى متنافرة على شاشات التليفزيون ولم تتجاوز هذا المدى .. لو سألت الآن مواطنا فى الصعيد او الدلتا ماذا تعرف عن قضية تجديد الخطاب الدينى فلن تجد الإجابة رغم ان هذا الشخص الذى تسأله هو صاحب المشكلة الأساسية فى وعيه وفكره واسلوب حياته .

< هناك قضية شائكة لا اريد ان اخوض فى الحديث عنها وهى هذا العداء المستتر بين بعض مثقفينا والأزهر الشريف وهذا العداء يأخذ اشكالا كثيرة فى الإساءة لهذه المؤسسة العريقة بل انه يتجاوز احيانا فى خصومته ليأخذ اشكالا اخطر تتعلق بقدسية الدين وثوابته.. وفى تقديرى ان هذه القضية كانت من اهم الأسباب التى تركت أثرا على لغة الحوار حول الخطاب الدينى .. احيانا كنت اشعر ان النفوس ينقصها شئ من النقاء والسماحة، خاصة اننا جميعا نسعى الى تقديم اجمل صورة لديننا بأن نخلصه من كل ما علق به من التجاوزات سواء بسبب السياسة او لأسباب اخرى تراكمت مع الأيام .

< من اهم الأخطاء التى شهدتها السنوات الثلاث الماضية فى قضية الخطاب الدينى ان الحوار تحول الى معارك على شاشات الفضائيات من يستطيع ان يهزم الآخر بالضربة القاضية واكتشفنا فى النهاية اننا جميعا خاسرون .. وقد ساعد على حالة الارتباك والفوضى دخول اطراف لا علاقة لها بقضايا الأديان وثوابتها ومرجعياتها ووجدنا وجوها غريبة تكتب فى امور تحتاج الى التخصص والمعرفة ولكن القضية امام إعلام الفوضى فتحت الأبواب لكل من هب ودب وتسللت اسماء غريبة تلقى الحجارة هنا او هناك ..

كان ينبغى ان يقتصر الحوار على اهل الاختصاص من العلماء واصحاب الفكر والرؤى اما هؤلاء الدخلاء الأدعياء فقد شوهوا الصورة كلها ووجدنا القضية تضيع فى سراديب ومتاهات حوارات ومعارك كانت سببا فى سجن البعض واختفاء البعض الآخر فى ظروف غامضة .. كانت القضية تحتاج ان تناقش كل جوانبها بكل الحساسية فيها فى غرف مغلقة قبل ان تتحول فى الإعلام الى بذاءات واتهامات وشتائم .

< لقد بدأت القضية بصورة فيها الكثير من التجاوز ضد ثوابت دينية يجب ان تحترم حتى لو اختلفنا حولها .. ولكن العامة من المواطنين تصوروا انها تمثل هجمة على عقيدتهم بكل مقدساتها وثوابتها، وربما اتضح ذلك فى ريف مصر الذى يمثل الدين فيه ركنا اساسيا من اركان ومكونات الشخصية المصرية .

< رغم ان القضية كانت تحتاج الى فكر اوسع وحوار ارفع إلا ان ما حدث فى السنوات الثلاث الماضية لم يحقق النتائج المطلوبة .. ومازال السؤال الحائر كيف نعالج جوانب القصور التى أحاطت بكل الجهود التى دارت حول هذه القضية .. هل نعود بها مرة اخرى الى جهات الاختصاص هل يمكن ان نكون اكثر حيادا وتجردا وموضوعية ونحن نناقش القضية .. والسؤال الأهم متى نبدأ فى تشكيل واقع ثقافى وتعليمى وفكرى يفتح امامنا آفاقا اوسع لتشكيل اجيال اكثر سماحة وترفعا وحبا لدينها.. هل بدأ تطوير المناهج والتخلص مما علق بها من الشوائب هل بدأ الأزهر رحلته مع بناء فكر إسلامى اكثر تحررا واستنارة هل شارك المثقفون المصريون فى وضع استراتيجية جديدة لبناء العقل المصرى؟! باختصار شديد علينا ان نراجع ما حدث فى السنوات الماضية منذ طرح الرئيس عبد الفتاح السيسى قضية الخطاب الدينى للحوار .. يبدو ان القضية لم تحرك السفينة، وان الأمواج العالية حالت دون ان تكمل السفينة رحلتها فى حوار عاقل وفكر واع ومجتمع اكثر تقدما واستنارة .

ان القضية لم تعد فى حاجة الى المزيد من التأجيل وإضاعة الوقت فى حوارات غير مجدية او معارك كلامية خاصة ان كل الشواهد تؤكد ان المعركة ضد الإرهاب سوف تستغرق الكثير من الجهد والوقت، لأن جذور القضية فى فكرها وأمراضها قد رفعت لواء الدين والدين برىء من كل هذا العبث .. إن قضية تجديد الفكر الدينى تحتاج الى تكاتف كل الجهود من كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية ويكفى الذى ضاع فى معارك وهمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطاب الدينى  والوقت الضائع الخطاب الدينى  والوقت الضائع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon