توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل نسينا أم كلثوم؟!

  مصر اليوم -

هل نسينا أم كلثوم

بقلم:فاروق جويدة

 كوكب الشرق أم كلثوم إبداع وتاريخ ومكانة .. أخطر ما يهدد الفنان فى ذاكرة الشعوب هو الإهمال والنسيان .. حين أنظر حولى الآن، أجد طيف أم كلثوم ينزوى ويخبو، وأحيانًا يبتعد .. هناك أسباب كثيرة جعلت صورة كوكب الشرق تنسحب مع الأيام ؛ أولها أن الإبداع الراقى تراجع من حياتنا، وأن مواكب الإسفاف تسللت بعنف فى وجدان شعوبنا .. نحن نعيش زمنًا بخيلًا فى مشاعره وإنسانيته..

 

◙ ولا شك فى أن غياب أم كلثوم يزعجني.. فهى ليست مجرد صوت جميل عبر، أو صورة لزمن اتسم بالرقى والترفع وأخذ أوراقه ورحل، ولكن أم كلثوم حضارة عصر وإبداع نهضة.. كانت مشروعًا مهدت له أشياء كثيرة من الزمن الخصب والوعى والثقافة.. أم كلثوم، ابنة ريف طماى الزهايرة والفلاحة التى تجاوزت سيدات القصور وأميرات الشواطئ ، كانت فى حقيقتها مشروعًا حضاريًا وإنسانيًا غاية فى الرقى والإبداع.. لو أنها عاشت فى مناخ آخر، لأصبحت أسطورة من أساطير عصرها. قد يرى البعض أننى أبالغ فى وصف دور أم كلثوم، ولكن عندى من الحجج الكثير..

◙ أم كلثوم شكلت وجدان أكبر كتلة بشرية، تجاوزت مئات الملايين من البشر.. هى التى حافظت على الثقافة العربية لغة وإحساسًا وتأثيرًا.. هى التى ارتقت بفكر الإنسان ووعيه حين غنت له عشرات القصائد الشعرية باللغة العربية الفصحى، وحفظت لغة القرآن بين ملايين المسلمين..

◙ أم كلثوم هى التى ارتقت بمشاعر الناس حين غنت للحب والحياة والوطن أجمل الكلمات والأشعار. وهى التى وحدت الشعوب العربية حين زادت الصراعات بينهم واختلفوا فى كل شيء.. أم كلثوم قدمت نموذجًا راقيًا للفنان، حضورًا وسلوكًا وقيمة. جعلت للفن مكانة فى كل بيت، وطافت العواصم العربية تجمع الأموال للمجهود الحربى فى ظاهرة لم تتكرر..

◙ هذه هى أم كلثوم، الزعيمة بلا سلطان، والمترفعة بلا غرور، والراقية بلا تعالٍ.. كان محمد عبد الوهاب مبهورًا بصوت وقيمة وتاريخ أم كلثوم، وكانت بينهما مشاعر خفية من الغيرة.. كان يقول: «أم كلثوم أعظم فاترينة تعرض الإبداع الجميل، ولهذا يتسابق المبدعون عليها».. أم كلثوم تزوجت ، ولكن زوجها الحقيقى كان فنها.. لا أتصور امرأة تحمل كل هذه المشاعر وهى فى سبعينيات عمرها وتجعل الناس يعيشون معها بكل الإحساس والمشاركة.. بعد رحيلها، ذهبت إلى رياض السنباطى لأعزيه، فبكى وقال: «انتهيت بعد أم كلثوم»

◙ أم كلثوم من مفاخر الفن فى مصر، هى التى جمعت أجمل كوكبة من المبدعين كلامًا ولحنًا وإبداعًا، وهى التى قدّمت أجمل وأصعب قصائد الشعر العربي، وهى التى ارتقت بأذواق الناس وهذّبت مشاعرهم ، وهى التى جسّدت شموخ الفن وكبرياء الإبداع، وهى التى عاشت كل العصور وبقيت على القمة لأنها أكبر من تقلبات الأحداث.. أم كلثوم تستحق أن تكون من علامات مصر والعالم العربى فنًا ورقيًا وإبداعًا.. إنها جديرة بمتحف يليق بتاريخها يضم تاريخها الحافل.. إن هذه الشجرة العريقة الشامخة من كنوز مصر التى تعتز وتفخر بها..

◙ أعود إلى ثورة الاستثمار المحلى والأجنبى وإنشاء المشروعات، وأتساءل: أليست أم كلثوم مشروعًا استثماريًا ضخمًا؟ ما زالت أغنياتها الأكثر مبيعًا، وما زالت حفلاتها تُذاع على جميع فضائيات العالم ، وما زالت الأكثر حضورًا فى كل وسائل الإعلام.. اسمها ما زال يتردد فى كل دول العالم..

أين نحن من استثمار كنوز أم كلثوم، فنًا وحياة وتأثيرًا؟ كم كتابًا صدر عن حياتها، رغم أنها كانت موضوعًا لرسائل جامعية كثيرة؟ إن أم كلثوم ثروة لا تقل عن منجم ذهب السكري. تستحق أن تكون بجانب حتشبسوت ونفرتيتى وكليوباترا، رغم تقديرى لملكات مصر، فهى ملكة الفن العربى بلا منازع..

◙ ليس من الخطأ أن نفتح أبواب الاستثمار المصرى والأجنبي، ولكن يبقى الإنسان هو الثراء الحقيقي.. لا يوجد بلد فى العالم لديه ما تملكه مصر من بشر وآثار وتاريخ.. فى كل دول العالم، يهتمون برموزهم ويحيون ذكراهم.. كان ينبغى أن يكون لأم كلثوم متحف أكبر من حجرة فى قصر المنسترلي، وأن يتناول حياتها أكثر من فيلم.. يجب أن تحمل طماى الزهايرة اسمها، وأن تتردد أغانيها فى متاحفنا وآثارنا وقصور أغنيائنا..

◙ أم كلثوم ثروة يجب أن تكون فى أولويات الاستثمار فى مصر.. ينبغى أن يتولاها رجال الأعمال المصريون والعرب، لأنها ما زالت تجمع الشعوب العربية، تطربهم وتسعدهم، وتقدم لهم كل ما هو جميل. انتبهوا قليلًا لاستثمار البشر، ولتكن أم كلثوم هى البداية.. أم كلثوم ليست مجرد مطربة قدمت بعض الأغانى والأشعار، ولكنها رمز من أهم رموز الفن فى الثقافة العربية.. أم كلثوم، رامي، ومأمون الشناوي، وعبدالوهاب محمد، وناجي، وأحمد فتحى وعبدالله الفيصل، وبيرم، وقرداحي.. أم كلثوم موسيقى عبدالوهاب، والسنباطي، والقصبجي، وزكريا أحمد، وبليغ، والموجي.. أم كلثوم كل هذه الرموز الخالدة.. تربعت على مملكة الفن الراقى عشرات السنين، وكانت الملكة والأميرة بلا منصب أو سلطان.. فى مصر، هناك ملوك بلا سلطة إلا حب الملايين، وملكات بلا ألقاب إلا الرقى والقيمة والترفع.. هؤلاء آخر ما بقى لنا من أزمنة الترفع والشموخ، ويجب أن نحافظ عليهم، لأنهم أغلى ما نملك..

◙ فكرت يومًا أن أكتب مسرحية شعرية عن حياة أم كلثوم ورامي. هى تستحق ذلك، ويمكن أن تضاف لأعمال تاريخية مثل روميو وجولييت ومجنون ليلى.. مازالت الفكرة تطوف فى خيالي، رغم إعجابى بمسلسل محفوظ عبدالرحمن وإنعام محمد على وصابرين..

◙ هذه لحظة افتقاد لأم كلثوم التى غابت لأسباب مجهولة، وهى التى ملأت الدنيا غناءً وإبداعًا وفنًا جميلًا.. ولا أعتقد أن الزمن يمكن أن يجود بأم كلثوم أخرى لأنها نسخة واحدة، صاغها الخالق سبحانه لتسعد أمة وتقدم صورة الإبداع الراقى والفن الجميل..

أعيدوا أم كلثوم إلى وجدان الناس مرة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نسينا أم كلثوم هل نسينا أم كلثوم



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon