توقيت القاهرة المحلي 19:35:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حديث ذو شجون حول نهب أراضى الدولة

  مصر اليوم -

حديث ذو شجون حول نهب أراضى الدولة

بقلم : فاروق جويدة

أخذت قضية نهب الأراضى من عمرى سنوات طويلة كتبت فيها عشرات بل مئات المقالات وفى كل مرة كنت احذر من هذه الكارثة التى شوهت كل شىء فى حياة المصريين ابتداء بقيمة عظيمة اسمها تكافؤ الفرص وانتهاء بهذا العدوان الصارخ على حق الأجيال القادمة.. كانت قضية الأراضى من أهم وأخطر القضايا التى أفسدت العلاقة بينى وبين النظام الأسبق الذى ظل ثلاثين عاما يهدر هذه الثروة بلا حسابات أو مراجعات أو حتى صحوة ضمير عابرة..

من هنا جاءت أهمية قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بفتح هذا الملف وإصدار تعليمات للحكومة ومؤسسات الدولة من الجيش والشرطة والمحافظين باسترداد أراضى الدولة التى سقطت فريسة عمليات نهب منظمة أمام أعين الدولة بكل مؤسساتها.. لا يستطيع احد للإنصاف والأمانة أن يدين الحكومة الحالية بما حدث فى ملفات الأراضى.. وفى الجانب الآخر فإن جرائم نهب الأراضى لم تحدث فقط فى السنوات القليلة الماضية وعقب ثورة يناير قد تكون هناك بعض التجاوزات أمام غياب الأمن وهيبة الدولة أيام الثورة ولكن الجريمة الكبرى بكل تفاصيلها حدثت فى سنوات سبقت كلنا يعرفها ولا ينبغى أن نغالط الحقائق والتاريخ..

أن الجريمة الكبرى فى مسلسل الأراضى لم تكن فلاحا صغيرا بنى كوخا أو زرع عدة أشجار فى منطقة صحراوية أو أقام عشة على شاطئ النيل يصطاد منها السمك ولكن الجرائم الحقيقية كانت فى آلاف الأفدنة التى حصل عليها البعض من الحكومة فى عملية نهب لم تشهدها مصر فى اشد العصور ظلاما كان ينبغى أن تراجع هذه المساحات وهذه الأسماء ومنها ما تم التنازل عنه بملايين الدولارات فى الغردقة وشرم الشيخ والساحل الشمالى والمدن الجديدة.. هذه هى الملايين التى ينبغى أن تبحث عنها الدولة فى مكاتب السادة المحافظين كانت الأراضى توزع بقروش قليلة وأمام مكتب المحافظ يجلس السماسرة وتباع الموافقات بالملايين وقد حدث ذلك مع كبار المسئولين والمشاهير ولاعبى الكرة والزوجات والاقارب.

إن جريمة توزيع الأراضى أفسدت المنظومة الاجتماعية فى مصر فقد خلقت طبقات جديدة من الأثرياء بلا عمل أو جهد وكانت موافقة من وزير أو محافظ تنقل الإنسان إلى ساحة المليونيرات دون أن يكلف نفسه شيئا ونشأت عائلات وتكتلات اقتصادية ومالية من الاستيلاء على الأراضى.. هل كان من المنطق مثلا أن تحصل الشركة الكويتية على 37 ألف فدان فى العياط وتدفع فيها مقدما خمسة ملايين دولار يومها حين كتبت عن هذه القضية اتصل بى الوزير المسئول وقلت له ساخرا يا سيادة الوزير هذه المساحة من الأرض تكفى لحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة صغيرة للإخوة الفلسطينيين فى قلب العياط وينتهى كل شىء.. ومازالت ارض العياط حتى كتابة هذه السطور تمثل أزمة قانونية محليا ودوليا لأنها فى التحكيم الدولى .

فى هذه الأيام أيضا كتبت عن أكثر من كارثة فى قضية الأراضى كان منها صفقات بيع أراضى المحالج وكلها تضم مساحات كبيرة على النيل فى عدد من المحافظات وقد تحولت إلى عمارات وعقارات ومبان.. وتحدثت أيضا عن توزيع أراضى شرق التفريعة وكيف حصل خمسة من رجال الأعمال على 100 مليون متر بعضهم باعها لمستثمرين عرب.. وتحدثت أيضا يومها عن 80 فدانا فى قلب الإسكندرية تتبع مصانع النحاس وما حدث فيها من مضاربات ثم كانت ارض ميدان التحرير يوم أن بيع المتر فيها بعشرة آلاف جنيه وتم وقف الصفقة مع الشركة الفرنسية بعد أن ثبتت الجريمة وتحدثت عن شركة المراجل البخارية وكيف بيعت بمبلغ 13مليون دولار وتحولت إلى فيلات وقصور على أطلال مشروع ضخم..

فى هذا السياق كانت الأراضى تباع وتوزع بصورة عشوائية تؤكد غياب العدالة وفساد مؤسسات الدولة، حدث هذا فى بيع شركة البذور فى جناكليس.. وأرض طابا التى دفعت فيها مصر 74 مليون دولار غرامة فى حكم دولى شهير لصالح صاحب فندق سياج.. هذه كلها ملفات كنت أتمنى أن تراجعها الحكومة مادامت قد قررت أن تكشف المستور فى هذا الملف الخطير..

حين يئست من الصراخ على صفحات الجريدة يومها جمعت المقالات التى كتبتها حول قضية نهب الأراضى وأصدرتها فى كتاب عن دار الشروق كان عنوانه «اغتصاب وطن.. جريمة نهب الأراضى فى مصر» وقد صدر فى عام 2010 وسجلت فيه بكل الموضوعية والأمانة حقائق كثيرة عن كل ما حدث طوال السنوات العجاف فى هذا الملف.. والآن جاء الوقت لكى نصارح أنفسنا وهنا أضع أمام المسئولين بعض الملاحظات..

لا ينبغى أبدا أن يتساوى من نهب من الدولة آلاف الأفدنة ليقيم فيها مشروعا كمواطن مصرى وباعها للمستثمرين العرب والأجانب تحت شعار يسمى التخارج واخذ ملايين الدولارات وهرب مع إنسان بسيط اقتطع قيراطا فى الصحراء الجرداء وزرع فيها بضع شجيرات يعيش على ثمارها..

لا ينبغى أن يتساوى من شيد قصرا على النيل مع مواطن بسيط أقام كشكا لصيد السمك وعاش فيه مع أبناءه الصغار.. وإذا قررت الحكومة أن تحصل على تعويض من صاحب القصر فعليها أن ترعى صاحب الكشك الصغير وتوفر له المأوى والعمل المناسب..

ن الرئيس عبد الفتاح السيسى كان صريحا حين قال إن التجاوزات التى حدثت فى تنفيذ قرار استرداد الأراضى كان سببها الحماس الشديد من الأجهزة المسئولة فى الدولة.. وإن كانت الشدة مطلوبة مع أصحاب الملايين فإن الرحمة مطلوبة أيضا مع أصحاب الملاليم.

يجب أن تضع الدولة ضوابط صارمة لحماية ما بقى من أراضى مصر للأجيال القادمة ويكفى الذى ضاع.. فى دول الخليج أقاموا مؤسسات استثمارية وضعوا فيها مبالغ طائلة فى صورة ودائع أو أصول أطلقوا عليها صناديق الأجيال القادمة لكى يضمنوا حق هذه الأجيال فى مستقبل طيب ولكى يوفروا لهم جزءا من خيرات بلادهم وثرواتها ضمانا لمستقبلهم.. ونحن فى مصر لا نملك المال ولكننا نملك الأرض وهى حق لكل الأجيال من أبناء مصر.. إن هناك جهات كثيرة تبيع الأراضى فى مزادات ويجب أن يكون هناك تنسيق بينها.. وهناك أكثر من مؤسسة تعمل فى الأراضى زراعية وصناعية وسكانية واستثمارية ولابد من وضع سياسة مشتركة وموحدة بين هذه المؤسسات إما أن نترك الأمور كما هى عليه فسوف تتكرر أخطاء الماضى..

فى حديث المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى قال إن الدولة أعادت 168 مليون متر فى صورة تعديات و118 مليون متر إزالة.. وإنها استردت 1٫7مليون فدان ولا شك إننا أمام ثروة عقارية وزراعية ضخمة وعلى الدولة أن تعيد النظر فى استثمار هذه المساحات وفى تقديرى انه لا ينبغى أن تكون المزادات والبيع هى الحل الوحيد إن عليها أولا أن ترد الاراضى لشاغليها إذا دفعوا الثمن وان تترفق بهم فى تحديد سعر المتر أو الفدان وان تراعى جهد من زرع واستصلح ودفع من ماله فى سنوات مضت.. فى هذه الحالة ينبغى أيضا تقسيط المستحقات على فترات زمنية معقولة بل إن من واجبها أيضا أن توفر مصادر تمويل بنكية لهؤلاء لأن الهدف ليس تبوير الأرض أو بيعها فى مزادات أو تسقيعها لحساب الحكومة ولكن الهدف استرداد حق الدولة والحفاظ على حق المواطن..

لا أدرى ماذا ستفعل الدولة مع أصحاب الأكشاك والغرف الطينية الفقيرة فى الصحراء أو القرى النائية بعد أن هدمت مساكنهم الآيلة للسقوط وهل ستوفر لهم مساكن بديلة خاصة أن الشتاء قادم وإذا كان هؤلاء قد تحملوا قسوة الشمس الحارقة فلن يتحملوا السيول القادمة.. إن هؤلاء فى حاجة إلى حلول سريعة ومساكن بديلة قبل أن يهبط عليهم الشتاء القارس.

كلنا لا بد أن يشيد بالصحوة التى شهدتها وزارة الرى فى تطهير شواطئ النيل من القصور والأكواخ ومقالب الزبالة التى شوهت النهر العريق لكن السؤال الآن هل يجرؤ أحد على الاقتراب من توسعات النوادى الخاصة بالنقابات المهنية والمؤسسات السيادية وهى التى اقتحمت النيل ووصلت إلى مئات الأمتار داخل مجراه المقدس هل يستطيع أحد أن يزيل دورات المياه فى هذه التوسعات غير العمرانية ويعيد للنهر جلاله وقدسيته.. مادمنا قد بدأنا طريق الإصلاح فلابد أن نكمله..

بقيت عندى نقطة أخيرة وهى ملف الخصخصة وبيع أصول الدولة المصرية فى صفقات مريبة ومشروعات بيعت بتراب الفلوس رغم أن الجنيه يومها كان شيئا محترما.. فى تقديرات البنك الدولى أن الأصول التى بيعت كانت تقدر بأكثر من 500 مليار جنيه وأن ما حصلت عليه الدولة لم يزد عن 83 مليار جنيه.. أليس من حق الشعب أن يعرف أين ذهبت كل هذه الأموال.. إن ملف الخصخصة وبيع أصول الشعب المصرى ليست اقل من نهب الأراضى وهذه قضية أخرى..

المصدر : صحيفة الأهرام 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث ذو شجون حول نهب أراضى الدولة حديث ذو شجون حول نهب أراضى الدولة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 13:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم "إبادة غزة"
  مصر اليوم - جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم إبادة غزة

GMT 14:45 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان
  مصر اليوم - أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد امام يعتبر والده "الزعيم" هو نمبر وان في تاريخ الفن
  مصر اليوم - محمد امام يعتبر والده الزعيم هو نمبر وان في تاريخ الفن

GMT 07:02 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفرنسي هيرفيه رونار يعود لتدريب منتخب السعودية

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 17:24 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

جهاز مبتكر ورخيص يكشف السرطان خلال ساعة

GMT 05:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 02:31 2021 الإثنين ,22 آذار/ مارس

طريقة عمل اللازانيا باللحمة المفرومة

GMT 00:00 2023 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كولر يدرس تصعيد شباب الأهلي بعد تألقهم مع منتخب الشباب

GMT 02:52 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تبهر متابعيها بـ إطلالة جديدة

GMT 02:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

مسعود أوزيل يغادر لندن للانضمام إلى صفوف فناربخشة التركي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة لا ينبغي تقديمها للأطفال في فصل الشتاء تعرّفي عليها

GMT 02:48 2020 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على السيرة الذاتية للفنانة عبير بيبرس

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف السعودية الصادرة الثلاثاء

GMT 00:30 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

شقيق جيجي حديد وبيلا حديد ينافسهما في مجال عرض الأزياء

GMT 10:43 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نجمة صينية ترتدي فستان زفاف ساحرًا من مئات الطبقات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon