بقلم:فاروق جويدة
هي أكبر وأعرق الأشجار في لبنان، وهي قمة من قمم الأغنية العربية وآخر ما بقي من زمن الغناء الجميل .. إنها فيروز، في ربيعها التسعين، التي لم تكبر ولم تعرف حدودًا للعمر والزمن، لأن الإبداع لا يكبر..
كانت المرة الأولى التي صافحت فيها شجرة لبنان العريقة عندما احتفى بها الأهرام، وأقام لها الراحل الكبير يوسف السباعي احتفالية خاصة، يومها أطلت علينا بوجهها الملائكي.. في ملامح فيروز كنت دائمًا أرى لبنان ؛ الشموخ، والإبداع، والجمال.. صافحتها مع كل محبيها، وما أكثرهم ! وكلما زرت لبنان بعد ذلك تمنيت لو رأيتها .. في إحدى الاحتفاليات التي شاركت فيها مع صديقي محمد عبد الوهاب الابن، بمدينة زحلة ـ المدينة التي كتب فيها أمير الشعراء أحمد شوقي رائعته جارة الوادي ـ كان الحدث تشييد تمثال لمحمد عبد الوهاب بجوار تمثال شوقي. يومها، شدوتُ شعرًا في أمسية ملأها صوت فيروز، حيث صدح في أرجاء المكان.
ما أنتِ من عمر الزمان ولا غد،
جمع الزمان فكان يوم لقاكِ.
في خزائن فيروز، توجد خمس قصائد لحنها العظيم رياض السنباطي وسُجلت في الكويت أثناء الحرب في لبنان.. للأسف، لم تُفرج سيدة لبنان عن هذه الروائع، ومن بينها قصيدة بديعة كتبها الشاعر اللبناني جوزيف حرب، تقول كلماتها:
أصابعي منكِ في أطرافها قُبَل،
قَبّلتهن فهنّ الجمر يشتعل.
غير أن الجمر في النص لم يكن الكلمة الأصلية،. فقد كتبها حرب بـ«الشمع»، لكنها لم تُعجب السنباطي، فغيرناها إلى «الجمر».
في إحدى زياراتي للموسيقار محمد عبد الوهاب، تحدثت حينها مع فيروز، وكنت سعيدًا أن أتبادل الحديث معها.. اكتشفتُ في أوراق عبد الوهاب الخاصة رسالة تفيض حبًا من فيروز إليه.. كان يحب صوتها ويراه فريدًا، لا شبيه له.
فيروز، تسعون عامًا من الزمن الجميل، ليتها تُفرج عن قصائد العظيم رياض السنباطي..