توقيت القاهرة المحلي 10:41:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحكومة ومسلسل الصدمات

  مصر اليوم -

الحكومة ومسلسل الصدمات

بقلم فاروق جويدة

لابد ان نعترف بأن الحكومة فى شهور قليلة قد اتخذت مجموعة من القرارات السريعة التى لم تجرؤ حكومة أخرى على الإقتراب منها فى يوم من الأيام ولا أدرى ما هى أنواع حبوب الشجاعة التى اخذتها هذه الحكومة حتى تواجه كل هذه التحديات مرة واحدة..نحن امام حكومة استطاعت ان تربك الإقتصاد المصرى فى كل مجالاته بمجموعة من الضربات السريعة التى هبطت على رؤوس المواطنين كالصواعق ابتداء بسكان العشوائيات والطبقة المتوسطة وتسللت الى سكان الأحياء الراقية والمنتجعات ليجد كل واحد منهم نفسه امام ظروف اقتصادية اقل ما توصف به انها ظروف قاسية..
> كانت أولى الضربات التى وجهتها الحكومة للمواطنين هى هوجة رفع الأسعار التى جمعت كل السلع الغذائية والتموينية ابتداء بالخضار والفاكهة وانتهاء بالأدوات الكهربائية والسيارات والسلع الإستهلاكية, لايوجد فى مصر الآن سلعة واحدة لم يرتفع سعرها بإستثناء البشر, وفى زحمة ارتفاع الأسعار انطلق التجار يكملون المسيرة واختفت السلع من الأسواق تحت شعار ان السلعة أفضل من النقود وأن ما يباع اليوم بعشرة جنيهات سوف يباع غدا بخمسين جنيها, وأمام فشل الحكومة فى مراقبة الأسعار والحد من جشع التجار سقط الشعب المصرى ضحية بين نارين قرارات حكومية متسرعة وزحف من التجار نحو المواطنين فى صورة بشعة من الإستغلال والإحتكار والثراء من دم الشعب وكلما ارتفعت أسعار الكهرباء والمياه والبنزين رفع التجار أسعار السلع.. كان ينبغى ان توفر الحكومة شيئا من الحماية للمواطن وهى تصدر قرارات زيادة الأسعار خاصة فى السلع الرئيسية وهنا أصبح الحصول على كيلو سكر معجزة وأصبحت زجاجة الزيت من طعام الجنة وانطلقت حشود التجار مثل الفئران يعبثون فى حياة الشعب دون رحمة وهنا التقت قرارات الحكومة مع جشع التجار لتصنع واحدة من المآسى الصارخة فى حياة المصريين.

> لم يكتف التجار بمهزلة الأسعار ولكنهم فتحوا النيران على المصريين فى موقعة اخرى هى موقعة الدولار..حتى وقت قريب كان الدولار متماسكا فى البنوك حتى سعر 7٫5 جنيه وحين تحرك اصبح 8 جنيهات وامام غفلة من الحكومة بدأت اسواق العملة تنسج السيرك ليقفز الدولار خلال 3 شهور فقط الى 18 جنيها ورغم إغلاق شركات الصرافة والأموال التى يلقيها فى الأسواق البنك المركزى كل اسبوع تفوق جشع التجار على ذكاء الحكومة حتى صدر قرار التعويم وهو اخطر قرار صدر فى تاريخ الإقتصاد المصرى منذ قيام ثورة يوليو حين كان الجنيه المصرى يشترى جنيها ذهبيا ومعه قرشين ونصف القرش..لاشك ان الحكومة خسرت معركتها مع الدولار حتى اضطرت اخيرا الى الإستسلام لقرار التعويم وللأسف الشديد ان القرار كان زلزالا مازلنا نتلقى حتى الآن توابعه, فقد تصور البعض ان آثاره المدمرة سوف تنتهى بعد ايام ولم نعرف بعد آثاره على الأسواق والأسعار والديون وخدمة الديون وما بعدها..ان اخطر ما حدث فى قرار التعويم ليس ما حدث ولكن ما ستأتى به الأحداث.

> لم يفق المصريون من موقعة الدولار وقرار التعويم حتى كانت مفاجأة الجمارك التى شملت 400 سلعة قد يرى البعض انها غير ضرورية خاصة ان الزيادة تراوحت بين 10 و 60 % وقد نسى هؤلاء ان الجمارك قد زادت امام تعويم الجنيه ورفع سعر الدولار وان الجداول الجديدة قامت على اساس الفرق بين سعر الدولار الجمركى حين كان 7٫5 جنيه واصبح الأن 18 جنيها وهذا يعنى ان الزيادة حدثت مرتين وليس مرة واحدة..ان قرار زيادة الجمارك لم يراع حساسية السلع التى اختارها المسئولون ومنها سلع لا يمكن الإستغناء عنها لأن انتاجنا المحلى منها ضئيل للغاية مثل الأقلام, وسئ للغاية مثل معجون وفرش الأسنان ومواد الحلاقة وكلها أشياء تبدو كمالية ولكنها فى الحقيقة من الضروريات فى عصر النظافة.

هل لدينا انتاج من الأقلام يكفى ملايين التلاميذ فى المدارس وملايين الموظفين فى مؤسسات الدولة ام ان الحكومة تتصور ان كل الكتابات الآن على اجهزة الكمبيوتر, واى التكاليف اكثر دسكات وسيديهات الكمبيوتر ام الأقلام ام ان الهدف ان ينسى اطفالنا شيئا يسمى الكتابة فلا حاجة لنا بها..وهل لسنا فى حاجة ايضا لأن نغسل اسناننا بالمعجون الا تكفينا زبالة الشوارع.

> وسط هذه الإجراءات التى يبدو فى ظاهرها التقشف والترشيد فى عمليات الإستيراد ومحاولة البحث عن موارد للدولة برفع الجمارك كانت الحكومة ترتب موقعة اخطر بكثير فلكى تواجه هبوط قيمة الجنيه بنسبة كبيرة امام قرار التعويم رفعت اسعار الفائدة فى البنوك لتعوض خسائر المواطنين فى تخفيض الجنيه وكان هذا هو الهدف الظاهر ولكن فى نفس الوقت تجمع مدخراتهم وتلقى بها فى البنوك الحكومية والدليل ان اسعار الفائدة المرتفعة لم تنفذ فى البنوك الخاصة.

فى الأسبوع الماضى طرحت سؤالا حول 180 مليار جنيه جمعتها البنوك المصرية فى 3 اسابيع من المواطنين واين ستذهب هذه المليارات هل تستخدمها الحكومة فى تمويل العجز فى الميزانية ام تمول بها المشروعات الكبرى ومنها الطرق والكهرباء والمدن الجديدة ام تكون هذه الأموال بداية انطلاقة صناعية ورحلة بناء جديدة للإقتصاد المصرى, ومازال السؤال قائما: اين ستذهب مليارات البنوك التى جمعتها من الشعب فى ايام قليلة هل يتجه جزء منها لإعادة اعمار آلاف المصانع المغلقة التى سرحت عمالها واغلقت أبوابها وتوقفت عن الإنتاج, هل تشجع هذه المليارات ملايين الشباب لإنشاء صناعات صغيرة ام ستتجه هذه الأموال للإستثمار العقارى وهو اخطر ما يعانى منه الإقتصاد المصرى طوال اربعين عاما..لابد ان تتوقف البنوك المصرية ولديها كل هذه المليارات امام تجربة طلعت حرب وبنك مصر ونهضة الصناعة المصرية فى الأربعينيات اما ان تبقى ودائع صامتة فى البنوك فهذه كارثة..

إذا لم يواكب نشاط الحكومة فى جمع الأموال مشروع انتاجى صناعى وزراعى وسياحى وفى كل المجالات فسوف تتحول هذه المليارات الى عبء خطير على الدولة..ان المال وحده لا يفيد إلا إذا كان هدفا لتوفير حياة كريمة للإنسان وان يتحول الى عمل وانتاج وصادرات وسلع تفى بإحتياجات الناس . لا يمكن لنا ان نتجاهل توابع هذه القرارات ابتداء بالزيادة فى حجم الديون وفوائدها وانتهاء بالأموال المكدسة فى البنوك الأن لأن المال عبء إذا كان دينا وعبء أكبر إذا كان مجرد أرصدة لا تعمل.. لقدأصدرت الحكومة قراراتها ولاشك انها قرارات جريئة بل ان فيها قدرا من المغامرة خاصة قرار التعويم الذى دوخ عشرات الحكومات السابقة ولم يجرؤ عليه أحد, إن هذه القرارات يمكن ان تكون بداية تجربة ناجحة ومؤثرة تدفع بالإقتصاد المصرى الى الأمام ولكنها تتطلب قدرا من الضوابط..

أولا : ليس معنى الإقتصاد الحر ان نترك المواطن المصرى ضائعا بين جشع التجار وسلبية الحكومة لابد ان تضع الحكومة ضوابط للأسواق, ان استباحة الشعب بهذه الصورة الحادة خطأ فادح وهنا لابد ان تعود الرقابة على الأسعار وان تعود التسعيرة الجبرية على السلع خاصة ان الجميع كان يدعى ان السبب فى رفع الأسعار زيادة سعر الدولار والأن توقفت الأسواق عند السعر الجديد وليس هناك مبرر لزيادات جديدة خاصة ان الأسعار وصلت الى اقصى درجاتها جشعا وارتفاعا وإذا كانت الحكومة قد أصدرت كل هذه القرارات بهذه السرعة وهذا الحسم أليست قادرة على ضبط الأسعار فى الأسواق بنفس الدرجة من الحسم..
ثانيا: بقدر ما كان الحسم فى قرارات موجهة الى الطبقات الفقيرة والطبقة المتوسطة مازالت الحكومة حتى الأن عاجزة عن أن تواجه بنفس الحسم ونفس السرعة ما ينبغى ان يحدث مع اثرياء مصر ورجال الأعمال, هناك تفاوت رهيب فى قدرات الحكومة على مواجهة الأعباء التى ينبغى ان يكون فيها قدر كبير من العدالة بين من يملكون كل شئ ومن لا يملكون اى شئ..ان اختلال موازين العدل فى توزيع الأعباء خطأ فادح قد ندفع ثمنه جميعا امام حالة التراخى التى يعانى منها القرار الحكومى امام رجال الأعمال خاصة ونحن نتحدث منذ سنوات عن الضرائب التصاعدية ومتأخرات حقوق الدولة وهى بالملايين.

ثالثا: لم يعد امامنا من سبيل للنهوض بهذا البلد والخروج به من أزماته غير الإنتاج والعمل وهذه مسئولية الحكومة ان تتخلص من سراديب البيروقراطية وان ينزل المسئولون الى الشارع لمواجهة الأزمات وتشجيع الإنتاج فى كل صوره واشكاله..لدينا الأن الأموال فى البنوك ولدينا الأراضى الشاسعة..ولدينا قدرات بشرية متقدمة ويمكن ان تكون افضل وخرجنا من تجارب دامية فى السياسة والحرب ضد الإرهاب واعباء ضخمة فرضتها الظروف علينا ولكن كل الطرق الأن مفتوحة امامنا ولا ينقصنا غير ان نعمل.

رابعا : كثيرا ما سمعنا الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو يخاطب الحكومة ويطالب بسياسات اكثر رحمة بالطبقات الفقيرة ولكن الحكومة لم تعرف حتى الأن غير جيوب الفقراء وغابت عنها تماما مناطق اخرى يضاف لذلك القرارات المرتعشة التى يتراجع فيها المسئولون واكبر دليل على ذلك قرار استيراد الدواجن الذى لم يتجاوز عمره يومين

ان قرارات الحكومة فى غاية الجرأة والقسوة وقد تحملها المصريون بنبل شديد ووفاء نادر فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان..هذا ما ينبغى ان تسعى اليه الحكومة بعد مسلسل الصدمات الذى هبط فوق رؤوس المصريين ابتداء بمسلسل رفع الأسعار بداية من الكهرباء والبنزين والمياه وانتهاء بأزمة الأدوية وهى واحدة من اخطر المواقف التى تعرض لها المصريون فى الفترة الأخيرة امام غياب كامل لسلطة القرار.

 

..ويبقى الشعر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة ومسلسل الصدمات الحكومة ومسلسل الصدمات



GMT 00:04 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

بايدن خارج السباق

GMT 23:58 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

دار المحفوظات

GMT 00:34 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

على أبواب مكة

GMT 22:37 2024 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

السقوط

GMT 23:15 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

شعوب تستحق الحياة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon