بقلم فاروق جويدة
لا تتعجب اذا رأيت أمامك ثلاث نخلات، الأولى مليئة بالثمار الزاهية، والثانية انحنت للعواصف ومالت على الأرض في خضوع والثالثة سكنتها الغربان.. قد تتعجب ان النخلات الثلاث في ارض واحدة نفس الطين ونفس الشمس ونفس العواصف، ولكن الأولى تألقت وصمدت وقدمت الثمار الشهية، والثانية أغرقتها الأحزان واستسلمت لليأس ومالت مع الزمن، أما الثالثة فقد سكنتها الغربان فلم تقدم ثمارا ولم تحافظ على شموخ النخيل.. ان ما يحدث في عالم النخيل يحدث في دنيا البشر.. هناك أشخاص أحبوا الحياة وكان العطاء طريقهم وأسلوبهم، فكانت الثمار الطيبة.. انه العامل البسيط الذى يجيد حرفته ويتقنها ويقدمها في أجمل وابهى صورها..انه الطبيب الذى يسهر بجوار مريضه وتكفيه منه دعوات قليلة.. انه التاجر الذى يبحث عن الرزق الحلال ولا يريد شيئا أكثر منه.. انه الجندى الذى يحمى الدرك وهو يعلم ان هديته للآخرين ان يناموا ويبقى هو ساهرا على راحتهم..هذه النماذج تعيش بيننا وهى تعطى دون ان تسأل..بجانب النخلة المثمرة التى تقف في شموخ هناك نخلة مالت واستكانت، وحين حاصرتها العاصفة استسلمت للريح ولم تقاوم وطلعت هكذا محنية الرأس، فلا هى أثمرت ولا هى قاومت ولهذا شاخت في مكانها وما أكثر هؤلاء الذين شاخوا في أماكنهم ومضت أعمارهم دون ان يتركوا شيئا بعدهم، فقد استكانوا أمام سلطان جائر وظروف قاسية ومجتمع بخلوا عليه بالعطاء وبخل عليهم بالأمن..تستطيع ان تجد هذا النموذج في أماكن كثيرة وتراه يلوم الحظ والأيام والظروف ولكنه لا يلوم ابدا نفسه رغم انه لو فكر قليلا لاكتشف ان العيب فيه.. وما لزماننا عيب سوانا.. ومن البشر أيضا نموذج غريب يهوى حشرات الليل وجحور الخوف انه يطارد العصافير اذا سكنت إليه ويبحث دائما عن الغربان وهو قادر على ان يحشدها في كل مكان، انه يناديها من بعيد وهى تعرف لغته فتأوى إليه..ولك ان تتصور حديقة فيها الثمار الطيبة والنخيل المغلوبة على أمرها ومواكب الغربان..كل هذا ليس بعيدا تراه في وجوه كثيرة تعيش معها وتعاشرها ما بين الإنسان الحقيقى وإنسان آخر.. ساخط على كل شئ بسبب عجزه..وآخر جمع الغربان حوله وتصور ان هذا يكفيه