توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر الثقافة بين التبعية والريادة

  مصر اليوم -

مصر الثقافة بين التبعية والريادة

بقلم - فاروق جويدة

عندما وقع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، خرجت أصوات عندنا تتغنى بالفتح الجديد، وبدأ الحديث عن زمن الرخاء القادم والمستقبل الجميل فى ظل السلام.. وتحدث البعض يومها عن مشروع يشبه مشروع مارشال فى إعادة بناء اقتصاد الدول التى دمرتها الحرب العالمية الثانية، ويومها سافر كاتبنا الكبير د. حسين فوزى وألقى محاضرة فى إسرائيل تبرأ فيها من عروبة مصر، وأن السلام القادم هو البديل من اجل مستقبل أفضل للشعب المصري.. ويومها كتبت مقالا فى الأهرام أكدت فيه رفضى لاتفاقية كامب ديفيد وقلت إنها لا تؤكد فى أى بند من بنودها أن مصر قلب العروبة, استبدلت إسرائيل بانتمائها العربي، وأن الشعوب لا تستبدل مكانتها وتاريخها ودينها وحضارتها بهذه البساطة..

 

ـــــ والحقيقة إننى لم أغير موقفى من كامب ديفيد ولم أصل إلى درجة التخلى عن عروبتى وثقافتى ودينى ولغتى فى أى وقت من الأوقات، خاصة اننى افرق دائما بين مصالح متغيرة حسب الظروف والأحوال وثوابت تاريخية يحكمها الزمن والموقع والتاريخ والدين واللغة، خاصة اننا حين نتكلم عن مصر فهى رائدة الثقافة العربية وهى التى حافظت على لغتها ودينها وترابها، وكانت أهم وأبقى مصادر القوة فى الدفاع عن أمتها أمنا واستقرارا ومسئولية .. وكانت لنا تجارب كثيرة مع الغرب احتلالا واستعمارا ووصاية، ومصر كبيرة بعالمها العربى لأنها الأكبر والأعرق والأبقي، ولن يقبل شعبها أبدا أن يكون فى غير مكانه..

ـــــ إلا أن هناك مواقف وأفكارا تطرح نفسها من وقت لآخر حول انتماءات مصر التاريخية وهل هى فرعونية أم قبطية أم عربية إسلامية ، وقد ساعد على هذه التقسيمات مدارس فكرية وأيديولوجية خاصة بعض المثقفين الكبار أمثال طه حسين ولويس عوض وسلامة موسى وكتائب المستشرقين العرب الذين انبهروا بالثقافة الغربية.. وإن كنت أفرق دائما بين الانبهار الواعى والانبهار الأعمي، خاصة موقف البعض من اللغة العربية فى كتاب لويس عوض عن اللغة العربية ودعوته لاستخدام اللغة العامية أو كتابه عن جمال الدين الأفغانى أو شعره العامى أو كتابه «مذكرات طالب بعثة»..

ـــــ وفى الثقافة المصرية مدرسة روجت لفكر طه حسين وإيمانه الشديد أن مصر ينبغى أن تتجه شمالا.. فقد اجتهد طه حسين فى زمانه ورأى ما رأى واتفق البعض معه واختلف الكثيرون حول أفكاره فيما كتب عن مستقبل الثقافة فى مصر وكتابه الأشهر «الشعر الجاهلي» ، وكلها أفكار تقبل الجدل والحوار.. وكان هذا الرأى منطقة خلاف بين حوارى طه حسين ومواقف أخرى كانت ترى أن الثقافة المصرية ثقافة عربية وأن مصر لا ينبغى أن تفرط فى دورها وريادتها كأكبر حصن من حصون الثقافة العربية.. والغريب أن البعض يرى أن مصر أولى بها أن تكون وجها من وجوه الثقافة الغربية رغم أن هذا يعنى أن تكون رافدا مثل ثقافات أخرى وتتخلى عن ريادتها..

ـــــ لا يوجد احد ينكر الثقافة الغربية ودورها وموقفها من قضايا الحريات والإبداع والفلسفة والفنون الرفيعة، ولكن فى تاريخ الثقافة العربية لحظات مضيئة فى العلوم وفلسفة الأديان.. وفى تجربة الأندلس والحضارة العربية وكانت منارة أيقظت أوروبا من نومها العميق، كما أن ثقافة مصر الأربعينيات كانت احدى التجارب الإنسانية والحضارية الرفيعة ولا ننسى الهجرة الأوروبية إلى مصر بعد خراب أوروبا فى الحرب العالمية الثانية..

ـــــ وفى تاريخ الثقافة العربية نماذج فكرية وإبداعية تركت آثارها على ثقافة الغرب مثل جدلية هيجل ، وفلسفة الإمام الغزالي، ورسالة الغفران للمعرى والكوميديا الآلهية لدانتي، والفردوس المفقود لملتون، وكلها كانت سباحة فى المجهول.. إن الثقافة العربية ليست شيئا عاديا حتى نتبرأ منه ونتخلى عنه ونلجأ إلى ثقافات بديلة لا تجمعنا بها لغة ولا دين ولا تاريخ، وعلينا أن نتمسك بثقافتنا العربية ونُحيى ما مات فيها ونصلح جوانب القصور.. إن اخشى ما أخشاه أن تنتقل مواكب التطبيع مع إسرائيل إلى تغيير مواقفها وتتجه إلى أوروبا لأنه لا فرق بين إسرائيل والغرب وعلينا أن نرجع للتاريخ القريب ونتأكد أن إسرائيل صناعة غربية..

ـــــ الخلاصة عندى انه لا توجد ثقافة عربية دون مصر، وأن العالم العربى يدرك هذه الحقيقة وأن الغرب لن يكون بديلا، وإننا مع الغرب سوف نكون مجرد هوامش لأن موقعنا الحقيقى فى قلب العالم العربي.. وإننا فى الثقافة العربية روادها وفى ثقافات الآخرين مجرد توابع، ويجب ألا ننسى عصور الاحتلال والاستعمار والتبعية وقد تحررنا منها بالدم وعانت شعوب عربية كثيرة من الاستعمار الثقافى وضيعت سنوات فى استرداد هويتها وإحياء لغتها.. إن من حق أى شعب أن يتطلع إلى إنجازات الآخرين فى الفكر والعلوم وتكنولوجيا العصر، ولكن لا ينبغى أن يخاطر بتاريخه ودينه ولغته وثوابته من أجل عيون الآخرين..

ـــــ هناك لغة وحيدة يعترف بها الغرب وهى لغة المصالح وهى التى تحكم سياسات الدول الآن ولا اعتراض عليها، خاصة أن أوروبا تنتظر مستقبلا غامضا بعد خسائرها الضخمة مع كورونا والحرب الروسية ـ الأوكرانية وحرب غزة والاتجاه إلى افريقيا والمنافسة مع قوى صاعدة مثل الصين والهند وإيران وتركيا وكلها أعباء على القرار الأوروبى والمستقبل ليس الغزو الثقافى ولكن لغة المصالح ستكون صاحبة القرار..

ـــــ نحن الكبار فى ظل ثقافتنا العربية تاريخا وأرضا ولغة ودينا ولن نكون فى يوم من الأيام مجرد توابع فى مسيرة ثقافات أخرى، وإذا كان العالم العربى الآن يعيش لحظة انكسار دامية فإن للزمن دورات وللتاريخ مراحل وسوف يجئ يوم تسترد فيه هذه الأمة أمجادها القديمة ودورها العظيم..

 

..ويبقى الشعر

 

لوْ أنـَّنـَا .. لمْ نـَفـْتـَرقْ

لبَقيتُ نجمًا فى سَمائِكِ ساريًا

وتـَركتُ عُمريَ فى لهيبكِ يَحْترقْ

لـَوْ أنـَّنِى سَافرتُ فى قِمَم ِ السَّحابِ

وعُدتُ نـَهرًا فى ربُوعِكِ يَنطلِقْ

لكنـَّها الأحلامُ تـَنثــُرنـَا سرابًا فى المدَي

وتـَظلُّ سرًا .. فى الجوَانح ِ يَخـْتنِقْ

لوْ أنـَّنـَا .. لمْ نـَفـْتـَرقْ

كـَانـَتْ خُطانـَا فِى ذهول ٍ تـَبتعِدْ

وتـَشـُدُّنا أشْواقـُنا

فنعُودُ نـُمسِكُ بالطـَّريق المرتـَعِدْ

تـُلقِى بنـَا اللـَّحظاتُ 

فى صَخبِ الزّحام كأنـَّنـا 

جَسدٌ تناثـَرَ فى جَسدْ

جَسدَان فى جَسدٍ نسيرُ .. وَحوْلنـَا

كانتْ وجوهْ النـَّاس تجَرى كالرّياح ِ

فلا نـَرَى مِنـْهُمْ أحد

مَازلتُ أذكرُ عندَما جَاء الرَّحيلُ ..

وَصاحَ فى عَيْنى الأرقْ

وتـَعثــَّرتْ أنفاسُنـَا بينَ الضُّـلوع 

وعَادَ يشْطـرُنا القـَلقْ

ورَأيتُ عُمريَ فى يَدَيْكِ

رياحَ صَيفٍ عابثٍ

ورَمادَ أحْلام ٍ.. وَشيئـًا مِنْ ورَقْ

هَذا أنا

عُمرى وَرقْ 

حُلمِى ورَقْ

طفلٌ صَغيرٌ فى جَحيم الموج 

حَاصرَه الغـَرقْ

ضَوءٌ طريدٌ فى عُيون الأفـْق 

يَطويه الشـَّفقْ

نجمٌ أضَاءَ الكونَ يَومًا .. واحْتـَرقْ

لا تـَسْألى العَينَ الحزينة َ

كـَيفَ أدْمتـْها المُقـَلْ ..

لا تـَسْألِى النـَّجمَ البعيدَ 

بأيّ سرّ قد أفـَلْ

مَهمَا تـَوارَى الحُلمُ فِى عَينِي

وَأرّقنِى الأجَلْ

مَازلتُ ألمحُ فى رَمادِ العُمْر

شَيئـًا من أمَلْ 

فـَغدًا ستنـْبـتُ فى جَبين ِالأفـْق 

نَجماتٌ جَديدةْ 

وَغدًا ستـُورقُ فى لـَيالِى الحزْن

أيَّامٌ سَعِيدة ْ

وغدًا أراكِ عَلى المدَي

شَمْسًا تـُضِيءُ ظلامَ أيَّامي

وإنْ كـَانَتْ بَعِيدةْ 

لوْ أنـَّنـَا لـَمْ نـَفترقْ

حَملتـْكِ فى ضَجر الشـَّوارع فـَرْحتِى ..

والخوفُ يُلقينِى عَلى الطـُّرقاتِ

تتمَايلُ الأحلامُ بينَ عُيوننـَا

وتـَغيبُ فى صَمتِ اللــُّـقا نبضَاتِي

واللـَّيلُ سكـّيرٌ يُعانِقُ كأسَه

وَيَطوفُ مُنـْتـَشِيًا عَلى الحانـَاتِ

والضَّوءُ يَسْكبُ فى العُيُون بَريقـَه

وَيهيمُ فى خَجل ٍ عَلى الشُّرفـَاتِ ..

كـُنـَّا نـُصَلـّى فى الطـَّريق ِ وحَوْلـَنا

يَتنَدَّرُ الكـُهَّانُ بالضَّحكـَاتِ

كـُنـَّا نـُعانِقُ فى الظـَّلام دُموعَنا

والدَّربُ مُنفطـٌر مِنَ العَبراتِ 

وتوقـَّفَ الزَّمنُ المسافِرُ فى دَمِي

وتـَعثـَّرتْ فى لـَوعةٍ خُطوَاتي 

والوَقتُ يَرتـَعُ والدَّقائِقُ تـَخْتـَفي

فنـُطـَاردُ اللـَّحظـَاتِ .. باللـَّحظـَاتِ ..

مَا كـُنتُ أعْرفُ والرَّحيلُ يشدُّنا

أنـّى أوَدّعُ مُهْجتِى وحيَاتِى ..

مَا كانَ خَوْفِى منْ وَدَاع ٍ قدْ مَضَي

بَلْ كانَ خوْفِى منْ فِراق ٍ آتي

لم يبقَ شَيءٌ منذ ُكانَ ودَاعُنا

غَير الجراح ِ تئنُّ فى كلِمَاتي

لوْ أنـَّنـَا لـَمْ نـَفترقْ

لبَقِيتِ فى زمن ِ الخَطِيئـَةِ تـَوْبَتِي

وجَعَلتُ وجْهَكِ قبْلـَتِى .. وصَلاتِي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر الثقافة بين التبعية والريادة مصر الثقافة بين التبعية والريادة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon