لِمَ لا تكونى آخرَ الأفراحِ فى عُمْرِى
وآخرَ ما تبقَّى من أغاريدِ الأملْ
لِمَ لا تكُونى أَعْذَب الأبيات فى شِعرْى
وأجَملَ ما شدَوْتُ مِن الغَزَل...
لِمَ لا تكونى ذَلِكَ العُشَّ الصَّغيِرَ يَضمُّنا
وَأَعُودُ أَشْدو فيِ ربوعِكِ
دُونَ خوفٍ أو قيودٍ أوْ مَلَل
لِمَ لا تكونى فى خَرِيفٍ العُمْرِ آخَرَ زَهْرَةٍ
تحنُو عليً واسْتَعِيدُ بِعِطْرِهَا عُمْرًا رَحَلْ
لِمَ لا تكونى بَسْمة الطَّفل الذى
سَجنوه قَهْرًا إِنْ تَمَرَّدَ أَو تَجَاسرَ أَو سَأَلْ
لِمَ لا تكونى آخرَ الألحانِ آخِرَ نشوةِ
تحْيى مَواتِي
رَبَّما امتدت بِنَا الأيَّامُ أَوْ طَالَ الأَجَلْ
لِمَ لا تكوني..
آهٍ لو عَادَ الزَّمانُ
وجئت بابك هارِباً
وَعَوَاصِفُ الْأَيَّامِ تَرصُدُنى
وشَيْءٌ فى الضُّلٌوع يهُزُّني
كَحَرِيقِ بُرَكَانِ إِذَا خَمَدَ اشَتْعَلْ
<<<
فِى آخِرِ المِشْوَارِ جنتِ
وَكُلَّ شَيْءٍ فِى رَحِيقِ العُمْرِ
ولَّى وَانْدَثَرْ
حَتَّى العَصَافِيرُ الجَمِيلَةُ هَاجَرَت
وَتَزَاحَمَتْ حَوْلِى حُشودُ الخَوْفِ
تُلْقِينِى بَقَايَا بَيْنَ أَطْلَالِ العُمْرْ
حَتَّى الشَّجَرْ
مَا عَادَتِ الْأَغْصَانُ زَاهِيَةً وَلَا عَادَ الثَّمَرْ
حَتَّى الْمَطَرْ
أَضْحَى دُمُوعًا فِى عُيونِ النَّاسِ
خَوفًا أو ضياعًا أو ضَجَرْ
حَتَّى القدرْ
مَا عُدتُ أُعْرِفُ أَيْنَ يَحْمِلُنَا
وَكُمْ عَبَرَتْ عَلَى وَجْهِى عَذَابَاتُ البَشرْ
هذا حبيبٌ قد هَجَرْ
هَذَا رَفَيق غَاب عن عيني
وفرقنا السَّفرْ
هَذَا زمانٌ جَاحِدٌ
سرَقَ السِّنينَ الخَضْرَ من عُمْرِي
وَفِى سَأمِ غدرْ
<<<
لِمَ لا تكونى آخِرَ الأَشوَاقِ فِى قَلْبِي
وآخرَ ما تبقى من تباريح السنينْ
إنى سئِمْتُ النَّاسَ والأَشيَاءَ
والأحْيَاءَ والمَوْتَى
مَا عَاد يُشجِينى صُرَاحُ الخُرْسِ
صَمْتُ العاجزينْ
فى آخرِ المِشْوَارِ كونى بَعضَ مَا غَنَّيتُ
فى اَلَمى ... وفى جُرْحِي
وَمَا لَاقَيْتُ فِى الزَّمنِ الضَّنِينْ
كُونى غِنَائى بَعدَ أَنْ سَكَتَ الكَمَانُ
وَصَارَ تِمثَالاً يُحَدِّقُ فِى عُيونِ العَابِرِينْ
يَبْدُو غَرِيبًا خَلْفَ أَسْوارِ الْمَدِينةِ
لَمْ يَعُد أبدًا يُفرِّق بَيْن عُصفورٍ طليقٍ
أو بَقَايا عُشَّ عُصفورٍ سَجِينْ
يَبُدو مَشَاعاً فى أيادِى العابثينْ
<<<
كُونى دُمُوعَ النِّيل
حِينَ أَفَاقَ فى غَضَبٍ
وأَصْبَحَ قِصَّةً تَزْوِى مَآسِى الغَاضِبِينْ
لَا شَيْءَ غَيْرَ النيلِ يوقِظُنَا
وُيُحْيِى فى جَوَانِحِنَا الأمَانِى والحَنِينْ
مُنْذُ استكانَ النَّهْرُ والشُّطْانُ ساخِطةُ
وماءُ النيلِ مُنكَسِرٌ حَزِينْ
مُنْذُ استَكَانَ وُكُّل شَيْءٍ حَوْلَنا
أَضْحَى فَرَاعًا واستَرَاحَ العَجْزُ فِى شُطْائِهِ
وَغَدا مَشَاعًا للرَعَاعِ الغَاصِبِينْ
النَيلُ يَبْكِى من جُحُودِ الأَهْلِ
مِنْ يَأْسِ الرِّجَالِ العاجِزِينْ
<<<
هَدأَتْ رِياحُ الشَّوْقِ
وَاسْتَرْخَى الزَّمانُ على شَوَاطِئِ نِيلِنا
وَالنيلُ قد نَسِىَ الغِنَاءْ
احْتَرْتُ فِى زَمَنٍ يَضِيقُ من الغِنَاءْ
زَمَنٌ يَضِيقُ بِكُلَ شَيْءٍ
ثُمَّ يَفْرِضُ مَا يُرِيدُ وَمَا يُحِبُّ وَمَا يَشَاءْ
زَمَنُ البَلَادَةِ وَالتَنَطٌّعِ والغباءْ
لا تسْأليِنى كَيْفَ ضاقَ اللٌّحْنُ مِنْ صَوْتيِ
وَكَيْفَ تَبَّدلَتْ فى العين أطيافُ المساءْ
حَتَّى الشُّتاء الآنَ يأتِى غَاضِبًا
والَبْردُ يَخْنِقُنِي
وَكُلُّ حَدَائِق الأْزهَارِ حَوْلِي
باكياتٌ حائراتٌ كلَّما هَبَطَ الشِّتاءْ
قَدْ طَالَ صَمتْي
والكلامُ الآنَ عَجْزٌ أَو نِفَاقٌ أو رِيَاءْ
أَنا لَمْ أَكُنَّ يومًا أُحبُّ الصَّمتَ
لكنْ كُلُّ ما غَنَّيتُ صَارَ سَحَابَةً سَوْدَاءْ
تبدُو عَلىَ الأفقِ البعيدِ قَصَائِدِى الخَرْسَاءْ
والشِّعرُ مثلُ الناسِ حينَ يموتُ
لا أمل هناك ولا حياة ولا رجاءْ
<<<
النَّاسُ ضَاقَت مِنْ أَغَانى الحبّ
مَلَّتْ من تباريحِ الشَّجنْ ..
هَدمُوا بيوتَ الطَّيرِ
لا سَكَنَ هناكَ وَلَا وَطَنْ
كُلُّ القصائِدِ سَافَرَتْ
وَجَلَسَتْ بَيْنَ خَرِيفِ أَيَّامي
أُفتِّشُ عَنْ رَفِيقْ
صَغْرَتْ بِيَ الأشْيَاءُ وابتعَدَ الطَّرِيقْ
وَأَنَا أُحُدِّقُ لا أَرَى شَيْئًا أمامِى
غَيْرِ دَرْبٍ تَاهَ مِنِّى وَابْتَعدْ
والنَّاسُ حَوْلى بالحشودِ
ولا أَرَى مِنْهُمْ أَحَدْ
الهَارِبُونَ من السُّجُونِ إلى السُّجونِ
يصارعون الموتَ فى صَمْت الشوارعْ
والنَّاس تجْرِى والحُشُودُ الآنَ
تَسْقُطُ بَيْنَ مُرْتَعدٍ وجَائعْ
بالله كَيْفَ تُساقُ فى الظٌّلماتِ
أَقْدارُ الشُّعوب
بأيِّ دينٍ صَارَ قتْلُ النَّاسِ
دستورَ الشرائعْ
<<<
لِمَ لا تكُونِى آخرَ الألحانِ فى عمرى
وآخرَ ما تَبقَّى فى ليالينا الحزينةْ
لَم يبقَ فى صحراءِ عُمْرى
غيرُ أطلالٍ تُحَدِّقُ والمَدَى
حَوْلى جِرَاحٌ مُسْتَكِينةْ
لَم يبق غيرُ قصائدَ مَلَّت
وأبياتٍ تئِنْ
وذكرياتٍ بَيْنَ أَحْصَانِى سَجِينةْ
قد ضَاقتِ الأيامُ فى صَدْري
وَطَالَتْ غُرْبةُ الأشياءِ
والطرقاتُ موصدةٌ
وجوهُ الناسِ حولى
طيفُ أَشبَاحٍ تَخَفَّتْ
خَلَفَ أسوارِ المدينةْ
نومٌ بلا نومٍ صراخٌ فى الضلوع
بكاءُ قنديلٍ على الطرقاتِ لا يَخْفَى أنينُهْ
<<<
لِمَ لا تكونى أُخَرَ الأفْرَاحِ فى سِجْنِى
وآخرَ ما تبقى من عذاباتِ السجينْ
طَالَتْ لَيَالِى السِّجْنِ لَا أَدْرِى
مَتَى بَدَأَت ومَاذَا خَلَّفَتْ
بينِ الضلوعِ سوى المهانةِ والأنينْ
غَنّيتُ أطربتُ الخلائقَ كلَّها
ورجَعْت والأطُلال تروِي
كلَّ ما غنَّيْتُ فى الزَّمنِ الحزينْ
لَم يبق شيءٌ من غِنَائى
فى زمانِ عابثٍ
فى كلِّ أَرضٍ كان شيئًا من غنائي
كَان شَيْئًا من حنيِنى من يقيِنى
كَان أيمانِى وشكِّى
كان حلْمَ المُتْعَبِينْ
إنىِّ رفضْتُ بأن أكون مع النهِّاية
صوتَ دجالٍ يُقامِرُ مِثْلَ كلِّ العابِثينْ
لِمَ لا تكونى أَخرَ النبضاتِ فى قلْبِي
وآخرَ ما سيبقى من غنائِي
للحيارَى العاشقينْ
<<<
الصمتُ فى سِجْنِى يَضِيقُ من الثَّوانِى
لا شيءَ حوليِ فى المكان أَرَاهُ
لا أَحدُ يرانى
قَلْبى الذى أسَكْنته الكونَ الفسيحَ يلومُنى
ما عَاد يذكٌرنى نساني
ما عُدتُ أَعرِفَ لَوْنَ وَجْهيِ
صُورَتِى عِنْوانيِ
كلٌّ الذى يبدُو أمامِى الآنَ
أسوارٌ تصافحُ بعضَها
وأَنَا أموتُ إذا بدا سجَّاني
<<<
لا تسألينى الآن عن شِعْري
توارَى خائِفًا
وإذا آفاق يئُّن فى أحضَانِي
ما كان ظَنِّى أَنْ أَصافِحُ قاتِلِي
أوْ أنْ يضيقَ النَّاسُ من الحَانِي
أن يستبيحَ القْهَرْ دمَ قصائِدي
أو يِصلبوا شِعرِى على الجُدْرانِ
هل أستريحُ على ضفِافِك لحْظةً؟
قَد صِرْتُ إِنسَانًا بلا إنسانِ
لِمَ لا تَكُونِى آخرَ الأفراحِ فِى عُمْري
وآخرَ ما شَدوْتُ من الأغاني
قد كُنْتِ آخرَ ما تغنى العندليبُ
وصوتُه أشجَانِي
قدرى بأَنْ أَحْيا زمانًا ظَالما
هذا زمانٌ لمْ يعُدْ كَزَمانِي