توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كلمة‏..‏ إلي شباب مصر

  مصر اليوم -

كلمة‏‏ إلي شباب مصر

فاروق جويدة

فقدت كل الثقة في رموز النخبة المصرية بكل تياراتها إسلامية وليبرالية وعلمانية ومؤمنة وملحدة‏..‏ حين تصل بنا الخطايا إلي اتهامات بالكفر فلا مكان لسماحة الأديان‏..‏  وإذا وصل بنا الحوار إلي طريق مسدود نرفض فيه بعضنا بعضا تماما فلا فرصة للتصالح والمشاركة.. وإذا اغلقنا ابواب الفكر فإن الطريق يصبح ممهدا تماما لعشوائيات السلوك واطراف المواقف.. لم يعد امامي غير ان أكتب هذه الرسالة إلي شباب مصر الذين صنعتهم علي عينها ووضعت فيهم كل رصيد احلامها في بناء مستقبل يليق بهم وبها.. < اقول لشبابنا: انا عاتب عليكم.. تجاوزت مشاعر الحزن عندي كل الحدود وانا أراكم في مشهد لا اعتقد انني سأنساه يوما وانتم تتصارعون امام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الأسود.. لم أصدق ان هذه الوجوه الملطخة بالدماء هي نفس الوجوه التي حملت شهداء الثورة علي أكتافها منذ عامين.. لم أصدق ان هذه المواكب التي تشتبك مع بعضها بالسنج والحجارة والمطاوي والخرطوش هي نفس الأيدي التي اسقطت نظاما فاسدا مستبدا في ايام قليلة.. لم أصدق ان هذه الملامح البريئة التي خرجت يوم25 يناير لتعيد للإنسان المصري كرامته هي نفس الملامح الغاضبة التي قتلت بعضها مساء الأربعاء امام قصر الرئاسة.. لم أصدق ان الدماء الطاهرة التي زينت وجه التاريخ في ميدان التحرير وهي تطلق الصلوات بين أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن هي نفس الدماء التي قتلت بعضها و لوثت جدران القصر التاريخي العتيق.. منذ أقل من عامين كانت حشودكم أجمل رسالة حملتها مصر ذات صباح إلي العالم وهي تستعيد شبابها وتسترد إرادتها وتخلص من براثن الاستبداد كرامتها.. يومها رأيت فيكم شبابنا الذي ولي يوم خرجنا أكثر من مرة نحاول إسقاط عرش الطغيان ولم ننجح وسرقتنا سنوات العمر حتي تعودنا علي القهر واسترخت نفوسنا المتعبة علي جدران الذل والمهانة.. لقد خرجنا أكثر من مرة وصرخنا كثيرا في كل اتجاه ورأينا احلامنا في غد يليق بنا شعبا ووطنا وهي تتواري خلف جدران السجون والمعتقلات وإهدار آدمية البشر.. رأينا شبابنا الضائع في وجوهكم البريئة وإصراركم العنيد.. رأينا مصر التي حلمنا بها يوما عزيزة كريمة شامخة.. كانت وجوهكم تحمل صورنا القديمة وهي تضيء في ميادين مصر تعلن العصيان علي الطغيان وتتمرد علي زمن قبيح استسلمنا له تحت سياط الاستبداد والبطش والمهانة. كنتم ومازلتم حلمنا الذي لن نفرط فيه.. وكيف نفرط فيه وهو الغد الذي ملأ عيوننا بهجة بعد زمان حزن طال؟.. كيف نترككم لأشباح الفرقة والكراهية وانتم مستقبلنا الذي لا نملك سواه؟ ارفعوا عن عقولكم غشاوة فكر الاستبداد والوصاية واطلقوا خيالكم البرئ يحلق بكم في آفاق من الوعي والنور والاستنارة.. < عندي لكم عتاب طويل.. كيف رضيتم ان تعبث بكم عقول شاخت وترهلت وادمنت العبث والمتاجرة والكراهية؟.. كيف تركتم وجوهكم البريئة تلوثها تلك الأيدي التي صافحت القهر وعانقت زمنا مواكب الطغيان؟.. كيف تستسلمون لمن شيدوا سجون القهر الفكري والمعنوي وادمنوا البيع والشراء علي موائد الاستبداد فلم يعرفوا غير الكراهية والانتقام؟.. لقد شاهدتكم في ميدان التحرير تقفون صفوفا تؤدون الصلاة هذا يرفع الهلال.. وهذا يحتضن الصليب وكانت وجوهكم تضئ وانتم تعانقون رحمة السماء تقرأون كلمات الله وتسبحون لقدرته ولم تفرق بينكم دعاوي الحقد والبغضاء لأنكم تدركون بوعي ان الأديان لله وان مصر لنا جميعا؟.. كيف طاوعتكم قلوبكم التي احتضنت أجساد الشهداء ورددت الشهادة معهم ان تقذفوا الحجارة علي وجوه بعضكم وان تتسلل الأيادي الخبيثة لتطلق النيران عليكم في غفلة منكم؟.. كيف سمحتم لهذه الأيدي بأن تفسد عليكم فرحة وطن يلملم أشلاءه لكي يبني مستقبلا يليق به؟.. هل أدركتم ان الحجارة التي تلقونها يمكن ان تسقط علي رأس أخ أو صديق أو رفيق عمر؟ كيف اتجهت حشودكم في موكب غوغائي كريه امام صرخات فجة تدعو للكراهية والانتقام؟.. أين حشودكم في ميدان التحرير.. وأين صرخاتكم في وجه الطغيان؟ وأين وحدتكم تلك التي اذهلت العالم وابهرت الأنظار؟.. < عاتب عليكم والله اني عاتب عليكم ان تفرقكم دعوات للكراهية وقد جمعتكم مواكب المحبة والوفاء والتضحية فداء لهذا الوطن.. كنت اتصور ان تجتمعوا علي شئ واحد هو إنقاذ هذا الوطن ولكن للأسف الشديد كيف تشاركون في محنته كان ينبغي ان تتوحد كلمتكم ضد الطغيان ايا كان لونه والشعارات التي يحملها؟.. لستم كفار قريش حتي يأتي من يبشركم بأن الإسلام دخل مصر وان خيول ابن العاص علي مشارف القاهرة لستم علمانيين أو ملحدين أو فاسدين حتي يأتي من يرشدكم إلي طريق الهداية ويدعوكم إلي طريق الله.. انكم فقط عشاق لمصر أم الدنيا ودرة حضارتها وأول شعوب العالم إيمانا بالخالق وتوحيدا لقدرته وبحثا عن رحمته. < عاتب عليكم.. لقد تركتم عقولكم المضيئة تتسلل إليها مواكب الجهل والجهالة والظلام تحت دعاوي دينية مضللة أو حداثة أو معاصرة جاهلة.. ان لديكم ثوابت كثيرة يمكن ان تحميكم من طوفان عشوائي مخيف.. لديكم دين قام علي السماحة والمحبة واحترام آدمية البشر.. ولديكم تاريخ عريق كان مشاركا حقيقيا في بناء منظومة التقدم في تاريخ البشرية في الطب والكيمياء والفيزياء والعمارة والتشريح ومعرفة اسرار الكون كما خلقها الله سبحانه وتعالي.. لديكم منظومة عريقة في السلوك والأخلاق وآداب الحوار واحترام الآخر.. لديكم ثوابت كثيرة في تكوين الأسرة العريقة واحترام عادات الشعوب ومقدساتها.. لديكم شواهد تاريخية ابهرت العالم وجعلته يحمل لكم مشاعر تقدير وعرفان ليس لها حدود.. لديكم آباء عظام وامهات تفخرون بهن وعلاقات إنسانية يحسدكم الكون.. كل الكون عليها.. كيف بعد ذلك تتركون الفتن تلعب بكم وتعبث بعقولكم الطاهرة البريئة.. ان دماءكم التي سالت امام قصر الاتحادية كانت نزيفا في عيون آباء احبوكم وامهات سهرن الليل علي راحتكم فهل بعد هذا تتركون لهم وانتم تودعون الحياة مرارة الألم وحسرة الفجيعة.. اخرجوا وتظاهروا وارفضوا كل ما لا يحترم آدميتكم في هذا الوطن ولكن لا تفجعونا فيكم.. ارجوكم لا تفجعونا فيكم.. ان دماءكم الطاهرة هي اغلي ما يملك هذا الوطن فلا تجعلوا الغالي رخيصا تحت أي دعاوي مضللة.. ليكن لكل واحد منكم فكره ورؤاه.. من شاء ان يتدين فالطريق إلي الله واضح ومعروف.. ومن اراد ان يصرخ ويرفض فالحوار أفضل طريق للعناد والرفض حق مشروع لكل صاحب فكر أو موقف.. ولكن ما ينبغي ألا يعلو سيف علي كلمة.. أو يقصف حجر رأيا آخر..أو ان تسود لغة القطيع فلا يسمع بعضنا بعضا.. عاتب علي شهداء رحلوا كنا أحوج ما نكون لسواعدهم وليس لأحزاننا عليهم.. عاتب علي كل من أمسك حجرا ولم يمسك قلما.. عاتب علي كل من اطلق صرخة عداء ولم يطلق صرخة رحمة.. رافض انا لهذا المشهد الكئيب سواء حمل شعارا دينيا أو فكريا أو ليبراليا أو علمانيا يفرق وحدة هذا الوطن ويدعو للفتنة بين ابنائه < عاتب عليكم.. والله إني عاتب عليكم.. افتحوا عقولكم لكل من يدعوكم إلي الوحدة والفضيلة لأن الوحدة قوة والفضيلة نجاة.. صافحوا كل يد طاهرة لم تتلوث بدماء البطش ولم تصافح مواكب الطغيان.. لا تتركوا الساحة للدجالين والمتاجرين بالشعارات حتي لو حملت اسم السماء كذبا أوادعت الحريات ضلالا.. ان الغد لكم شاء البعض أم رفض.. لا تكونوا إلا انفسكم وإياكم ان تتركوا خرائب الأجيال الماضية تتسلل إلي أرضكم البكر وعقولكم الخضراء.. اختلفوا ما شئتم حول بناء مصر ولكن لا تسمعوا اصوات من خربوها وباعوها زمنا في اسواق النخاسة تعانقوا امام قصر الاتحادية وفي كل مكان تتظاهرون فيه كما تعانقتم يوما في ميدان التحرير مهما تختلف الآراء والرؤي بينكم وانظروا نحو وطن عظيم يسمي مصر وشعب حائر يري فيكم الأمل والمستقبل والمصير.. هذه ليست نصائح مني فأنا لا أحب نصائح الأجيال ولكنها رسالة محبة وباقة أمل. عاتب عليكم لأنني احبكم ولأن كل واحد فيكم له مساحة في قلبي وعمري مثل ابنائي تماما..إن دماءكم الطاهرة التي سالت علي طرقات الإتحادية إدانة عصر وجريمة جيل لم يقدر حرمة الدماء وامانة المسئولية واقول لكم كما قال المصطفي عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. لا ترثوا عنا كراهية الأجيال وخصومات المواقف وتصفية الحسابات, فقد كانت جميعها لعنات اساءت لنا وطنا وبشرا وتاريخا..إياكم وسطحية المواقف والانبهار الأعمي والوصاية الساذجة والفكر المريض بكل الوانه واتجاهاته وغشاوته. كونوا انفسكم وزمانكم ولا تتركوا صحاري الفكر تسيطر عليكم. بقيت عندي كلمة أخيرة لكل مصري.. اتقوا الله في هذا الوطن.. في شبابه.. ومستقبله.. وامنه واستقراره..' واتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون' رعاكم الله وسدد علي طريق الحق خطاكم ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.. نقلاً عن جريدة "الأهرام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلمة‏‏ إلي شباب مصر كلمة‏‏ إلي شباب مصر



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon