فاروق جويدة
هناك نغمة جديدة تسللت أخيرا إلي لغة الحوار تتحدث عن تقديم الشهداء من أجل تطبيق الشريعة وجاءت علي لسان أكثر من مسئول في الأحزاب الدينية.
ولا شك ان هذا التهديد يحتاج إلي توضيح وتفسير من القيادات الدينية في مصر.. هناك من يتحدث عن شهداء في الجنة ينتسبون إلي التيارات الدينية وقتلي في النار ينتسبون إلي التيارات الليبرالية المعارضة وكأننا نحارب في غزوة بدر علي أساس انهم المسلمون الذين أمنوا بالرسالة والآخرون هم كفار قريش.. ما يحدث الأن في الساحة السياسية في مصر أشياء لا تخضع لمقاييس الفكر والمجتمعات المتقدمة التي تجاوزت أزمنة التخلف.. كان الإسلام ثورة ضد التخلف الفكري والإجتماعي والإنساني وانتقل من مجتمع الأصنام والعشوائيات الفكرية إلي مجتمع التوحيد ومعرفة الخالق والتطور بكل أشكاله حتي أقام حضارة زينت وجه البشرية وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة في الأخلاق والسلوك والترفع.. ولا اتصور ان تظهر هذه الصراعات في وطن مثل مصر ظهرت فيه بوادر التوحيد قبل ان تهبط الأديان السماوية علي البشر وقامت علي ضفاف نهره الخالد حضارة أذهلت العالم كله واضافت صفحات ناصعة البياض للحضارة الإنسانية ان هذه العقول التي تتحدث عن ملايين الشهداء وتتهم كل من يخالفها في الرأي بالكفر ولا تؤمن بلغة الحوار وتتصور ان السياسة هي رفض الأخر وفرض السيطرة والإستبداد والوصاية..هذه العقول لا تصلح لقيادة وطن في حجم وتاريخ مصر وعلي العقلاء في الأحزاب والقوي الدينية ان يمنعوا هذا الجدل العقيم وهذه العنتريات المغرضة التي تشعل النيران وتدخل بنا إلي مستنقع من الصراعات لا يعلم مداه إلا الله.. لا اتصور ان يكون الحوار بمثل هذه اللغة أو ان تصل التهديدات بين قوي سياسية تحاول ان تبني جسورا للحوار إلي هذه الدرجة من العنف واستعراض القوة وإلغاء العقل وفرض الوصاية بهذه الأساليب القمعية المتخلفة.. كل شاب سقط شهيدا في هذه الصراعات يمثل جريمة تاريخية بكل المقاييس الدينية فلا تشعلوا نيران الفتنة لأن مصر لا تحتمل كل هذا العنف الذي يتخفي وراء الدين.
نقلاً عن جريدة "الأهرام"