فاروق جويدة
القارئة العزيزة تسألني لماذا أصبح كل شيء بلا لون.. ولا أدري لماذا توقفت عند الألوان أي عند الأشياء التي نراها فقط..
إن كل الحواس الأن تكذب علينا نحن لا نسمع إلا الأكاذيب.. ولا نري إلا المزيد من العنف حتي اعتادت عيوننا علي لون الدم الذي يغطي الشاشات أربعا وعشرين ساعة ما بين الجرائم والأفلام والمسلسلات.. واعتادت ايدينا علي الحرام وكلما قرأنا مسلسلات النهب في العهد البائد ادركنا اننا كنا نعيش في ظل عصابة وإذا كان الإنسان بطبيعته وتكوينه يعشق الجمال فإنه أحيانا يعتاد القبح وكنت دائما اقول ما قيمة قصر كبير تسكنه وتجد فيه كل شيء في حين تحيط بك الخرائب من كل إتجاه.. وعندما تشق الطريق أي طريق حول القاهرة لتتجه إلي أحد المنتجعات الراقية تشاهد في الطريق مأساة العشوائيات انت تذهب إلي جنتك علي طريق طويل من الأشواك والحفر والمستنقعات.. وكثيرا ما يعتاد الإنسان علي القبح فلا يري غيره وهنا تتغير الألوان ويتلاشي بعضها في عيوننا وربما توقفنا عند لون واحد.. من اجمل المشاهد التي كانت تمتع الأنظار المساحات الخضراء التي كانت تنتشر علي جانبي الطريق الزراعي بين القاهرة والأسكندرية كان اللون الأخضر يغطي كل شيء ويشعرنا بالغني والثراء والبهجة.. ومنذ اغتالت الأعمدة الخرسانية هذه المساحات الخضراء انكسرت عيوننا وغاب الضوء عنها وتراجعت ايام البهجة.. أصبح من الصعب الآن ان تنظر وقتا طويلا للمباني والمنشآت القبيحة التي تغطي السماء التي لم تعد زرقاء امام تلال القمامة ومواكب الدخان الأسود.. ومن يشاهد النيل الأن والكتل والأشباح الخرسانية تغطي شموخ النهر وتعبث بتاريخه يدرك اننا حين اغتلنا الجمال انتشر القبح وسادت لغة العنف وفقدنا الإحساس بكل شيء لا يوجد نهر في العالم انتهك القبح براءته كما حدث علي شواطئ نهرنا الخالد.. ولهذا تغيرت الألوان وتغير معها كل شئ.. ان منظومة الجمال لا تتجزأ وهي تبدأ من داخلنا وتشع حولنا حتي تملأ الكون كله.. وحين تجفو القلوب تطفئ كل شيء حولها فلا يري الإنسان نفسه.
نقلاً عن جريدة "الأهرام"