فاروق جويدة
تذكرتك وانا اصافح عاما رحل.. بقيت عندي أشياء كثيرة تذكرني بك.. في حياة الإنسان ما أكثر العابرين هناك من ترك إحساسا جميلا
وهناك من ترك جراحا.. والجرح يداويه النسيان وهو أكبر نعمة في حياة البشر.. ولولا النسيان ما رحلت تلال الأحزان التي تحاصرنا في سنوات العمر.. واعترف انك تركت أشياء كثيرة مازلت أعيشها واذكرها.. تركت اياما ربما عبرت وغابت ولكنها مازالت تسكنني ومازال الحنين يشدني إليها.. تركت شيئا من الدفء كان يحتويني والأيام تطاردني واحلامي المتعبة تأبي ان تغيب.. تركت لي صورة لامرأة تكاملت في العقل والمشاعر وافتقدت بعدها متعة الحوار وسطوة المشاعر.. تركت لي أماكن كثيرة مازلت أزورها والقاك فيها وحيدا وانت كالطيف لا أعرف لك مكانا ولازمنا.. احيانا استرجع صورتك التي سافرت ولم تترك خلفها عنوانا فأصبحت كالحلم لا نعرف متي يزورنا ومتي ينوي الرحيل معك عرفت معني الحب.. وبعدك عرفت شيئا يسمي الغياب.. والغياب لا يعني إختفاء الوجوه ولكنه يعني وحشة الفراق.. وأصعب انواع الغياب ألا نعرف مكانا لمن غابوا وفي أي الأماكن يسكنون.. كنت دائما علي سفر.. سافرت في كل بلاد الدنيا وكنت تأتين كالعصافير إلي عش ايامي.. وسافرت في أبعد نقطة في دمي وكياني.. وكلما استرجعت ايامنا معا شعرت بحجم خسارتي فيك هناك وجوه في حياتنا لا يمكن ان ننساها لأنها أكبر من النسيان.. في حياتنا عابرون ومقيمون والعابر لا يذكر من شاركوه رحلة السفر.. ولكن المقيم يحفظ رائحة المكان ويعرف كل الذين اقاموا فيه.. وقبل هذا كله فإن للأماكن ذاكرة مثل البشر تماما.. احيانا تجد المكان في شخص وتجد الشخص في المكان.. نخطئ إذا تصورنا ان الأماكن شيء صامت انها تحكي وتتحدث وتروي لنا ذكريات من جاءوا ومن ذهبوا حتي وإن تلاشت ملامحهم خلف مواكب النسيان اعوام كثير عبرت علينا.. انت امرأة من نور ليس لها مكان.. وانا مسافر خلف الغيوم ابحث عنك حلما.. وطيفا وذكري.. بعد ان عاندني النسيان.
نقلاً عن جريدة "الأهرام"