فاروق جويدة
كان والدي رحمة الله عليه شيخا ازهريا يحفظ كتاب الله بقراءاته العشر ومنذ طفولتي نشأت وحولي العلماء والمشايخ والفقهاء الذين يتوافدون علي زيارة والدي ومازلت احفظ حتي الآن أجزاء كثيرة من القرأن الكريم بقراءاته التي كنت احفظها علي يديهم..
ونشأت وانا احب العلماء واقدرهم واري فيهم نموذجا للسلوك الرفيع والقدوة الصالحة ومع كتاب الله احببت اللغة العربية وانبهرت بجرسها ومعانيها وكنت اري ان العالم فوق كل ما عرفت من نماذج البشر فهو الدين والسماحة والكلمة الصادقة والإخلاص في كل شيء.. وربما كان ذلك سببا انني سعيت للعلماء في كل زمان فقد اقتربت كثيرا من فضيلة الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه وكانت امتع الأوقات عندي وانا اجلس في رحاب بيته علي ترعة المنصورية والتقيت كثيرا مع الشيخ الغزالي بسماحته وعلمه وربطت بيني وبين المفكر الجليل خالد محمد خالد صداقة طويلة كانت عندي من أجمل الحظوظ وكثيرا مازرت الدكتور طنطاوي وكان رجلا صالحا رغم حسابات السياسة..وحين اجلس الآن امام شاشات التلفزيون واشاهد بعض الذين يحملون لقب شيخ أو فقيه أو عالم وهم يتحدثون ويشتمون الفنانات ويتعرضون للأعراض ويقذفون الناس بأسوأ الكلمات ويتحولون إلي ابواق سياسية رديئة ويعتدون علي حياة الناس بالباطل.. كلما شاهدت هؤلاء عادت إلي ذاكرتي صور من الماضي الجميل الذي عشت عليه..انا لا ارفض علي الإطلاق إقتراب رجال الدين من السياسة لأن هذا حق لكل مواطن ولكنني اتصور ان تنتقل سماحة الدين لتطهر مستنقعات السياسة وليس العكس وان يبقي رجل الدين في ضميرنا نموذجا للترفع وان يبقي القدوة في السلوك والأخلاق ولغة الحوار.
احزن كثيرا وانا اسمع الشتائم وهي تشوه الماضي الجميل وتنطلق في وجوه الناس كالقذائف.. مازلت احلم ان يتخلص النهر من كل الشوائب التي تسربت إليه وان تعود للمشايخ هيبتهم ووقارهم ومكانتهم في ضمير الناس.. ومازلت احلم ان يقوم الأزهر الشريف قلعتنا الصامدة بقيادة شيخه الجليل د.احمد الطيب بعملية تطهير واسعة يقتلع فيها كل الأشجار الخبيثة التي تسللت إلي ساحة الدين ليبقي رمزا للترفع والسماحة والضمير
نقلاً عن جريدة "الأهرام"